بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – إلى أين يذهب العالم الآن، مع عظيم تلك التحولات الهائلة في الفضاء الإلكتروني الذي اختزل كثيراً من المجالات والقطاعات والأولويات والعمليات والاهتمامات والإجراءات لتأخذ شكلاً ومحتوى غير معهودين في فترةٍ قياسية لا تتجاوز عقداً من الزمان.
ثمة هاجس، يتمثل بضرورة ضبط الفضاء الإلكتروني وتحرّي السيطرة على المحتوى الذي يتوالد كالفيروسات في كل لحظة ليملأ الأثير وتلهث الدوريات الإلكترونية في ملاحقتها وتتبع أصحابها ومن يعلقون عليها.
لقد تغيّر وجه العالم تماماً، فلم يعد من إمكانية العزلة السيبرانية أو التوقّف عند جيلٍ من أجيال التطور التقني والإكتفاء به، فلا مناص من الخوض في أعماق السيبرانية ولا مجال لتفاديها والبقاء على ضفافها.
إن العالم لم يكن متشابهاً في كثير من سلوكاته اليومية كما هو الحال الآن، فالخبر والصورة والفيديو يصل إلى فلاح في أعالي جبال الأنديز كما يصل إلى بدوي يعبر فيافي سيبيريا المتجمدة، كما يصل إلى بدائي في وسط أدغال إفريقيا.
إنه عصر التحول المستدام، والثابت الوحيد فيه هو التغيّر الدائم. هذا جعل العالم في حالبة توتّر ويقظة وحيرة خشية عدم المقدرة على مواكبة وملاحقة كل جديد، الجديد الذي يحدث في كل لحظة.
إنها أسئلة حاسمة تبحث عن إجابات حائرة، ربما يتولد عنها كثيراً من الأسئلة دون انتظار أية إجابات عليها.
إنها أسئلة لا وقت للبحث عن إجابات لها، لأنه ما أن تبدأ محاولة الإجابة حتى تفيض عديد من الأسئلة الجديدة دوماً. أسئلة تجري في وادي السليكون العاتية أمواجه الهادرة تياراته الحاسمة تغيّراته. ولو عدنا قليلاً للوراء لسنين خلت، لوجدنا كثيراً من الأسئلة ملقاة على ضفاف هذا الوادي بلا إجابات نهائية، لا بل أصبح لا معنى ولا قيمة لأية إجابات عنها.
لقد تغيّر العالم برمّته، ولم يعد بالإمكان زعم أو إدعاء امتلاك زمام الأمور والسيطرة على تدفقات الجريان السيبراني العظيمة.
لكن ومن الناحية الفلسفية، فإنه تظل ثمة أسئلة كبرى خارج سياق ونطاق ما يجري من تغيّرات وتحولات سيبرانية، من هذه الأسئلة: أين ذاهب العالم، ما شكل المستقبل للبشرية، ما طبيعة البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية المستقبلية، ما الدورة الزمنية اللازمة للتغيّر التكنولوجي، هل الحتمية التقنية هي التي ستحدد مصير العالم، ما شكل الدولة والقانون في ظل عولمة الإنسان، ما طبيعة الوعي الإنساني المستقبلي، ما درجة التلاقي أو التصادم بين الإنسان والآلة، لمن مآلات التحكم في الحياة وتفاصيلها، ما ناتج موت التربية والتعليم والعمل والفلسفة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية المعتادة؟
هي أسئلة تحمل طابعاً محيّراً ومجهولاً يصعب التنبؤ به وبالتالي يستحيل معه إمكانيات مجاراته أو ملاحقته أو تغيير مجراه.
لقد قاربت كثير من تفاصيل المجتمعات على النهايات، وإذا لم يتم مواكبة ما يجري، ستندثر مجالات ومواضيع كنا نعتقد أنه لا يمكن أن تتزعزع أو أن تخلي الساحة والمساحة لغيرها، كأنها نهايات التخصصات الدقيقة واستيلاد تخصصات لا ترتبط بالصورة التقليدية للعلم والمعرفة، نهايات العمل بالشكل المألوف المستند على التخصص والمهارة والولاء للمؤسسة وربّ العمل.
إن العالم يئن من وباء سيبراني جامح، فلا هو قادر على هضم منتجاته ومخرجاته، ولا على مجابهته، لا هو قادر على أن ينأى بنفسه وتقاليده الراسخة من أن يداهمها الفيضان الرقمي.
هي أسئلة كبرى لن تجد إجابات عليها طالما استمر العالم في الغرق السيبراني.