بقلم د.ماجد الخواجا
عمان بوست – تمر الاثنين السابع من تشرين الأول 2024، الذكرى السنوية الأولى لحرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة الذي تحول مع الهجمات الجوية والمدفعية إلى أكوام من الركام ومنطقة وصفتها تصريحات أممية بأنها «منكوبة وغير صالحة للعيش».
هذه الحرب التي واجهت خلالها دولة المارقين الصهاينة اتهامات بارتكاب جرائم حرب، خلفت حتى الآن 41 ألفا و802 شهيد فلسطيني، بينهم 16 ألفا و891 طفلا، و96 ألفا و844 جريحا، و 10 آلاف بحاجة لأطراف صناعية، وفق وزارة الصحة بقطاع غزة. فيما تضامن لبنان من خلال 1800 شهيد لبناني، غزّة التي أصبحت منكوبة غير صالحة للعيش، لقب جديد تحمله من ضمن عديد من الألقاب التي حازتها طيلة فترة الاحتلال الصهيوني، من أبرز تلك الألقاب أنه أطلق على غزّة بأنها أكبر سجن مفتوح في الهواء الطلق، كناية عن الحصار الخانق لها برّاً وجوّاً وبحراً ومنذ سنين طويلة.
هل جاء السابع من اكتوبر منفصلاً عن السياق المعاش، عن التراكم المهين والمشين للإنسانية، هل كانت رعونة أم جنون أم قمة الحكمة، هل العبرة في البدايات أم النهايات، هل اختلفت الآراء بعد عام من الموقعة. هل تم خذلان ونكوص، هل تم التغرير بالمقاومة والتنصّل من دعمها، هل كان الوضع أفضل لو استمر الحال كما كان قبل السابع من أكتوبر. هل حجم الدمار والقتل كان متوقعاً وفي الحسبان، هل ما زال بيد المقاومة خيوط اللعبة وهل ما زالت تمتلك خيارات للصمود والمجابهة، هل تتوقف الحرب عند حدود غزة وجنوب لبنان أم أنها ستمتد لتأخذ شكل حرب عالمية وفي أقل الأحوال حرب إقليمية واسعة. هل سيكون اليوم التالي للحرب محتفظاً بالشكل السابق للجغرافيا والديمغرافيا في المنطقة؟
رقم من أرقام الطوفان أن هناك أكثر من 500 ألف صهيوني هاجر الكيان لدولهم الأصلية أو لغيرها. هناك اكثر من 10 آلاف جريح صهيوني بمعدل ألف جريح شهرياً، هناك حوالي400 جندي صهيوني مصاب بأحد أطرافه أو كليهما، هناك 35% من جيش الاحتلال يعاني من أمراض اكتئابية أو قلق أو اضطرابات ما بعد الصدمة، هناك 690 جندياً قتيل. أما الخسائر في مجال الكلف المادية فقد تخطت 70 مليار دولار. وسمع مواطنو الكيان لأول مرّة عن اللجوء والهروب من المنازل والقرى التي احتلوها ذات غفلة من التاريخ، فأخليت المستوطنات كافة في محيط غلاف غزّة وفي الشمال الفلسطيني.
نعم فإن فاتورة الحرب ثقيلة ومفجعة في غزة ولبنان، فهذا الكيان المرعوب المختبئ خلف جدران عازلة، يقترف أبشع أنواع القتل والإبادة والوحشية، ويواجه شعب أعزل محاصر، فيمسح الأحياء بأكملها بذريعة تعقّب أحد القيادات من المقاومة. 500 إنسان تم طمرهم مع مبانيهم في وسط الضاحية الجنوبية في ضربةٍ واحدةٍ.
كانت ثلاثة أهداف مزعومة وضعها نتنياهو عشية بدء المجزرة بحق غزّة، القضاء على حركة حماس، استعادة الأسرى المعتقلين، ضمان أن غزة لن تعود تشكل تهديدا للكيان الصهيوني مجددا. لكن توسعت هذه الأهداف لتتضمن إعادة سكان المستوطنات الشمالية لمنازلهم، القضاء على المعارضة المسلحة في الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الأرض. محو قدرة حزب الله على تهديد الكيان عسكريا. تقويض قيادة إيران لـ «محور المقاومة» المناهض للكيان، والذي لا يشمل حزب الله فحسب، بل يشمل أيضا سوريا والمتمردين الحوثيين في اليمن، المنظمات الإسلامية الشيعية في العراق. وضع حد لـ»حل الدولتين» بما يضمن عدم إقامة دولة فلسطينية في أية مناطق من الضفة الغربية وغزّة.
فيما هناك رؤية أبعد قليلاً وتتمثل بإعادة إحياء طريق الحرير الهندي الذي يبدأ في الهند وينتهي في تل الربيع، وهو ما سمّاه نتنياهو بخط النعمة أو البركة، ويقابله خط الحرير الصيني الذي يبدأ بالصين وينتهي في لبنان مروراً بالعراق وسوريا وإيران.
عام كامل تغيّر فيه وجه العالم وأعيد ترتيب الملفات والأوراق بشكل جذري حاسم. عام لم تهنأ فيه البشرية بالراحة والطمأنينة والسلام. عام مليء بالحزن والأوجاع. هو الحق الذي لا يضيع طالما وراءه من يطالب فيه، والفلسطيني والعربي الذي أمضى 108 أعوام في نضال مستمر منذ وعد بلفور، يقاوم وينشر الحياة والأمل، هو شعب جدير بالحياة والكرامة والحرية وتقرير المصير. وتستمر الحياة