بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – منذ فترةٍ لا بأس بها، ظهرت خرائط منحوتة ومجتزئة حسب أهواء وقناعات هذه الجهة/ الطائفة/ المذهب/ القومية، بحيث تشوهت خريطة العالم كله، وخاصة المنطقة العربية عبر سيلٍ من الخرائط التي لا يعرف لها أي سندٍ جغرافي أو تاريخي حقيقي.
هناك خرائط تريد إحياء قوميات وشعوب اندثرت منذ آلاف السنين، كما هو الحال مع خرائط الفينيقيين، والفراعنة والأشوريين، هناك خرائط للأمازيغ تريد إعادة البعث لقوميتهم عبر الامتداد في شمال إفريقيا بالكامل.
قبل قرنٍ من الزمان لم تكن الدول قائمة بالفهم الجيوسياسي الحالي لها، وقد توالدت دول العالم وخاصة في المنطقة العربية مع نهايات الاستعمار البريطاني والفرنسي والبرتغالي والألماني لها، كانت عبارة عن منطقة شاسعة ممتدة مفتوحة الأطراف لا حدود مغلقة بينها، وكان الراكب يسير من المحيط إلى الخليج دون أن يستوقفه حاجز إلا في حالة قطّاع الطرق.
لم يخل العالم خاصة في العصر الحديث من نزعات استقلالية أو انفصالية على أرضية الهوية والقومية والأمة والعرق واللون والدين والطائفة والمذهب، فثمة دول عديدة تكاد تعصف بها الحركات التحررية أو الانفصالية، لتبدو وكأنها «كيانات مفتعلة» وليست كيانات مبنية على أرضية واحدة صلبة.
إن أوروبا تعجّ بالحركات والقوميات الصغيرة لا بل متناهية الصغر والتي تريد أن تقيم كيانها الخاص بها. فلا تكاد تخلو دولة أوروبية اليوم من إحدى هذه الحركات الشعبوية التي تغذيها الأزمات الاقتصادية التي تضرب القارة، والتي يبلغ عددها اليوم أكثر من 40 حركة، تنطوي أغلبها تحت لواء تحالف «أحرار أوروبا»، وهو تحالف مكون من الحركات الشعبوية الأوروبية ويرفع شعار «أوروبا للشعب».
إن الانفصال في السودان وإن بدا كأنه على أساس ديني، لكنه في الحقيقة انفصال جيوسياسي بالدرجة الأولى، فالعرق واللون والعادات والتاريخ واحد في الجنوب والشمال من السودان. تماماً كما هو الحال في اليمن الجنوبي والشمالي الذي فرّقته السياسة والتلاعب بالخرائط لتحقيق غايات لا ترتبط بمؤشرات واقعية، بقدر ما هي تعبّر عن غايات سياسية.
إن لبنان على صغر حجمه الجغرافي الذي لا يتجاوز 10 آلاف كم مربع، تتنازعه عديد من الطوائف والمذاهب والقوميات التي أضفت لونها على مساحة مقتطعة من لبنان وصبغتها بصبغة طائفية، فما أن يتناهى للسمع كلمة البقاع أو الجنوب حتى تلتصق معها كلمة الشيعة، أما طرابلس فهي ترتبط بالسنّة، فيما جبل لبنان يرتبط بالدروز والمسيحيين المارونيين، لا بل إن بيروت نفسها كانت مصبوغة ما بين شرقية وغربية، هناك قرى ارتبطت بمذهب أو طائفة كما هو الحال مع زحلة أو البترون أو المتن أو دير القمر.
وهو الحال ذاته في العراق الذي عانى لعقودٍ من التفرقة والنزعات الانفصالية، وتراوحت ما بين الانفصال على أساس المذهب السنّي والشيعي، وما بين القوميات، الكردي والعربي. ولم تنج دول مثل ليبيا ذات الدين والمذهب الواحد من نزعات التفكك لأقاليم ثلاث تشمل إقليم طرابلس وفزان وبرقة.
وصولاً إلى خرائط حملها رئيس حكومة الكيان الصهيوني للمنطقة بحيث قسمها إلى قسمين/ مسارين، قسم أو مسار النعمة والبركة الممتد من شواطئ المتوسط إلى الهند، وقسم أو مسار النقمة والأشرار والظلمة والذي اتخذ طريقه عبر لبنان وسوريا والعراق وإيران. تلاعب تبعاً للأهواء والرغبات والمصالح وكأننا مجرد قطع نرد أو شطرنج. وتستمر الحياة.