بقلم د. ذوقان عبيدات
عمان بوست – بشكل عام، يمكنك تقويم أي كتاب مدرسي وتحليله وفق أي معيار، لكن لا تُصدِر حكمًا عليه، بالجودة وغيرها! فالتحليل وصفي؛ بمعنى أن تصف ما في الكتاب وفق المعيار الذي حللت بموجبه. حتى تقويم الكتاب يجب أن يكون وصفيّا لا حكميّا! فالكتاب ومؤلفوه يحتاجون تغذية راجعة وصفية مستقبلية، لا مجرد وصف سطحي لما هو موجود. وتتنوع معايير التحليل حسب أغراض الباحث! فقد تحلل الكتاب بما فيه، وقد تحلله بما ليس فيه! كأن نقول:
-احتوى الكتاب على كذا وكذا ،وهذا قد يكون سلبًا أو إيجابًا.
أو:
-لم يحتوِ الكتاب على كذا…، وهذا قد يكون سلبًا أو إيجابًا.
هذا يعتمد على غرض الباحث.
لكن التحليل الموضوعي لكتاب ما ،يظهر في مدى انسجامه مع المنهاج، ومدى قبول المعلمين له، وفي مدى ارتباطه بحاجات الطلبة، ومستقبلهم!
(01)
تعسُّف المعايير
أراد باحث أن يحذر من شرب الحليب، فعمل الإحصاءات والاستبانات اللازمة، وحصل على النتائج الآتية:
-جميع المجرمين شربوا الحليب، وهم أطفال.
-جميع الموتى شربوا الحليب قبل موتهم.
-جميع المعلمين الفاسدين تناولوا مأكولات مصنّعة من بعض منتجات الحليب.
-كل الحلويات الضارّة يدخل الحليب في محتوياتها.
طبعًا! هذه نتائج صحيحة شكلًا. ولا يمكن التشكيك في مضمونها.
فالنتيجة: الحليب يقود إلى الجريمة والأمراض، وفساد المعلمين، ومهما شئت من مآسٍ. ولذلك توصي الدراسة بعدم التعامل مع الحليب، ومنتجاته لجميع المعلمين!
هذا ما تفعله دراسات تناولت المناهج، وغير المناهج.
(02)
تقويم الكتب بما ليس فيها!
تُجرى بعض الدراسات لتحليل الكتب وتقويمها؛ من أجل الكشف عما ليس فيها، فقد تحلل الكتب بحثًا عن مفاهيم ليس فيها مثل: نشر الأمراض، أو إسهامها في تحسين أداء العلماء، وغير ذلك؛ لنحصل على نتائج:
-الكتب المدرسية لا تنقل الأمراض.
-الكتب المدرسية لم تقدم نصائح محددة لعلماء الفيزياء!
وهذه نتائج صحيحة إذا كان من أهداف الكتب تقديم نصائح لعلماء الفيزياء، ولم تفعل!
أما إذا لم يكن ذلك من أهدافها، فلا يجوز التقليل من أهمية الكتاب.
ولذلك تُقوَّم الكتب وفق أهداف المنهاج، لا وفق أغراض الباحث.
(03)
تقويم الكتب بما فيها!
وهنا تحلل الكتب للكشف عما فيها، وليس “عما ليس فيها”، فنقول: احتوت الكتب على المفاهيم والقيم الآتية،مثل:
توجد قصيدتان عن فلسطين، وثلاث عن الأردن! أما أن أقول: لم أجد قصيدة لبنانية فهذا أمر آخر، ويمكن قوله إذا كان المنهاج يطالب مؤلفي الكتاب بوضع قصائد لبنانية، ولم يفعلوا!!!
أما الادعاء بغياب القصائد اللبنانية، فهو أمر آخر، يتعلق بفلسفة التربية، وفلسفة الدولة، وإطار عام المناهج! فالعيب ليس في الكتاب، ولذلك لا يجوز إطلاقًا تقويم الكتاب بما ليس فيه! فالكتاب كائن تابع، وليس مستقلّا.
(04)
المقارنات
قد يكون من المفيد إجراء مقارنات بين ما كان، وبين ما هو كائن الآن! لكن علينا اختيار معيار، أو معايير المقارنة؛ فقد تكون الكتب القديمة مليئة بمفاهيم غير ضرورية، واختفت من الكتب الجديدة! هذا يعدّ تطويرًا وتحسينا! وقد تكون الكتب القديمة مليئة بقيم عظيمة اختفت من الكتب الجديدة، وهذا يكون تراجعًا!!
لكن من يحدّد قيمة ما اختفى وقيمة ما حلّ مكانه؟ هل هم الباحثون؟ أم فلسفة التغيير التي تم التأليف بموجبها!! التعميمات ظالمة! والتقويمات ظالمة! والأصل هو الاتفاق على واقع المجتمع وتطلعاته! فإذا كنتُ سأعدّ الأجيال للقتال وفتح العالم، فإن المناهج يجب أن تقول ذلك من دون لفٍّ، أو دوران! وإذا كنتُ سأعدّهم لغير ذلك، فإن المناهج يجب أن تفعل ذلك من دون مواربة!
فأيّ القيَم نريد!!!
المناهج تحتاج إجماعًا وطنيّا مفقودًا!!
فهمت عليَّ جنابك؟!