بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – كثيرة هي الحكومات التي أثارت جدلاً عند رحيلها تراوح التقييم لها بين الحياد والرفض لممارساتها، لكن حكومة الخصاونة ربما تفردت أنها منذ لحظاتها الأولى حملت نقائضها ومفارقاتها التي وصلت إلى درجة العجائب في ممارساتها وتشكيلتها وتعديلاتها وقراراتها.
لم تقنع الحكومة الشعب بكثيرٍ مما صرّحت به، لأن هناك مثل ينطبق على ممارساتها والمتمثل ” خذوا بقولي ولا تأخذوا بفعلي” فهي مارست علينا جميع الفهلوات والبهلوانات التي كانت الحكومات تتبنى أحداها، إلا أن هذه الحكومة تبنت جميعها، لا ننسى تلك البداية عندما بدأت التبريرات الرسمية بتبرير ظهور الخصاونة وهو يسير خلف ولي عهد البحرين وخارج السجادة الحمراء، حيث كان التصريح بأن الخصاونة كان في زيارة خاصة وعلى نفس طائرة ولي العهد البحريني، لتتوالى بعدها التصريحات المباشرة والإيحائية التي تصفعنا بها الحكومة كل يوم دون أن يرتد لها طرفة عين.
ابتداءً لن أستخدم أية كلمات ناقدة بحق الحكومة وأركانها، ليس عن فقرٍ في المعلومات، ولكن عن رغبةٍ في تحليل ما يجري وأسبابه وكيفية الخروج من هذا المأزق الوطني الحقيقي.
منذ أن استلم الخصاونة الحكومة لم يصدر عنه تصريحات مريحة شعبياً ولو من باب المجاملة أو التسويف والمماطلة، ويبدو أنه من مدرسة المواجهة المباشرة التي تكشف عن الجروح لكنها لا تمتلك أية تعقيمات أو علاجات جذرية له.
كما أن كثيراً من تصريحاته التي شاعت في مختلف الأوساط الإعلامية فضفاضة وعامة يمكن قبولها من محاضر في مؤتمر علمي أو من شاعرٍ يتغزّل بالحياة والحبيبة وهو لا يملك أجرة الحافلة التي ستوصله إلى منزله. لقد ذهبت عديد من التعبيرات التي أطلقها الخصاونة ليخلدها مخيال الثقافة الشعبية ويتداولها من باب الطرائف والإرث الاجتماعي والتراث الرسمي.
إن الشعب في فاقةٍ لا ينكرها إلا عديم البصيرة، والحاجة تشتدّ والضنك يزداد والأفق يضيق والآمال تتلاشى، فخرج الخصاونة يحدثنا عن القادمٍ الأجمل.
ربما في القديم القريب كان يمكن تمرير أشياء كثيرة دون الخشية من ضجّة أو رفض شعبي واسع لها، حيث كانت مصادر المعلومات شحيحة وخاصة وسرية ويصعب الوصول إليها، حتى أن معادلات لجنة تسعير المحروقات بقيت لسنين طوال وكأنها أحد الأسرار المقدّسة التي لا يستطيع الشعب استيعابها وهضم أرقامها. كما هو الحال مع التخاصيّة التي حفظت في الأدراج طويلاً وتم تقديمها على أنها الحل السحري للمديونية وللرفاه الإقتصادي والتطوّر الاجتماعي، وطويت ملفاتها كلها تحت بند عدم المسؤولية أو عدم ثبوت الإتهامات.
لنكن صريحين فإن رئيس الحكومة عبر تصريحاته كانت السبب الأساس في الاستفزاز الشعبي، كما أن مستويات ومنسوب ردود أفعال الحكومة لم ترتق لمستوى الاحتقان والتوتّر الذي يجري على الأرض، وكأن البلد في أزمة والحكومة في رحلة.
حكومة جرت الانتخابات مرتين في عهدها، حكومة كثر شاكوها وقلّ حامدوها، منذ استلام الحكومة لم نشهد حراكاً إعلامياً موجهاً يقدم للشعب وجبات ومعلومات ذات قيمة وجودة وتفصيلية في أي شأن من شؤون البلد. لم نشهد وجبة إعلامية احترافية موضوعية تعرض لنا الواقع كما هو دون رتوش ودون عروض تقديمية زاهية، لم نشعر أن الحكومة تعيش معنا واقعنا وحياتنا وفقرنا وجوعنا وأحلامنا، فما الذي سهّل عملية الإسهال الرسمي ليفيض علينا في بثٍّ مباشرٍ .
منذ أن استلمت الحكومة البشرية البلد كان واضحاً لديها عسر في التواصل وعتّي في العزلة والإنغلاق عن الشعب، وكان النزق الشخصي بادياً على رئيسها قبل مرؤوسيها من خلال عديد من الشواهد التي أظهرت حجم العصبية المسيطرة على مزاج الرئيس وصولاً إلى قبوله أن يكون خصماً إلكترونياً لمواطنين يتم استدعاؤه إلى أبواب القضاء بسبب الشكاوى المقدمة منه بحق المواطنين. ولا ننسى كيف بدأت الحكاية بمرور الرئيس بجوار السجادة الحمراء وعندما استهل خطابه بالسلام على حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، ولا ننسى عندما تمسّك بالجلوس على كرسيه في مجلس النواب وهو يقول: هذا الكرسي لي.. وتلك المقولة الخالدة التي لن ينساها الشعب ” القادم أجمل”. أما أجمل ما خرج عن الخصاونة فهي تلك الجملة التي قالها لأحد الطلبة ” خليك للنقلة الجاية” ويعني الانتخابات البرلمانية.
لم يشعر الشعب حقيقة بأي وجود أو اثرٍ ملموس لحكومة الخصاونة باستثناء ترديد أشهر جملة له وهي أن القادم أجمل.
لا يوجد منطق يحكم الحكومات لدينا، فمن يزعم أنه مقرّب من هذه الحكومة أو له اعتباريته الخاصة، يجد نفسه مجهولاً غير معروفٍ للحكومة التالية.
لقد استحقت حكومة الخصاونة مرتبة متدنية بين الحكومات الأردنية نتيجة معطيات وشواهد كثيرة ومنها أن الأردن تدنت مرتبته ومراتبه على عديد من المقاييس والمؤشرات الدولية وفي مقدمتها مقاييس الحريات الأساسية والإعلامية وحقوق الإنسان.
كما استحقت حكومته أنها الأكثر تعديلاً دون أدنى معايير متطلبات التعديل، فلا الذي جاء يعرف لماذا جاء ولا الذي خرج يعرف لماذا خرج. بل كان الأمر يبدو كما لو أنه مناقلات لتحصيل مسمى وزير ضمن السيرة الذاتية لبعض المقربين أو المحظيين. فقط ليس إلا.
نودعك دولة أبو هاني وأنت الذي تزاملنا معه في الدراسة الجامعية الأولى في الجامعة الأردنية، نودعك ونحن على ثقةٍ أنك مررت بتجربةٍ مذهلة خلال ولايتك، نتمنى لك سلاماً نفسياً وصحةً بدنية وعقلية، وراحة وانسجاماً بين أهلك.
أما الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور جعفر حسان فلها مقامها الخاص لاحقاً .