الخواجا يكتب : اليوم العالمي للديمقراطية.. معنى أن تكون ديمقراطياً
بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – يحتفل العالم في 15 سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للديمقراطية والذي أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2007، وفي سبتمبر1997، تبنى الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) الإعلان العالمي للديمقراطية. ويؤكد هذا الإعلان مبادئ الديمقراطية وعناصر الحكم الديمقراطي وممارسته، وفي كل عام يتم وضع شعار تتبناه دول العالم للعمل عليه، حيث كان شعار 2024 « تمكين الجيل المقبل» لدور الشباب في تعزيز الديمقراطية».
إن تعريف الديمقراطية بأبسط ما يمكن هي «حكم الشعب بالشعب ولأجل الشعب» فهي تعبّر عن حالة تمثيل شعبي للحكم وتداول السلطة وممارسة الحريات الأساسية.
تشهد الديمقراطية حالة من التراجع على مدار السنوات الماضية في ظل هيمنة الاستبداد والحروب التي ينتج عنها ما تدعى بحالة الطوارئ في البلاد، والانقلابات العسكرية في مجملها والسياسية أحياناً، والمفارقة أن معظم مجريات الأحداث تلك تتغطى بشعارات ديمقراطية كذريعة لاستلام الحكم أو لمزيدٍ من المقيدات والمحددات للمجتمع.
ما يقرب نصف سكان العالم 45.4% يعيشون ضمن شكل من أشكال الديمقراطية، و 7.8% من سكان المعمور تعتبر ديمقراطيات كاملة و 39.4% يقبعون تحت رقبة حكم استبدادي.
تشير إحصائيات مؤشر الديمقراطية في دول العالم أنه من بين 74 دولة مصنفة ديمقراطية من أصل 167 دولة، فإن 24 منها فقط والتي تمثل 7.8% من سكان العالم، تعد «ديمقراطيات كاملة» فهي تعتبر دول لا تحترم الحريات السياسية والمدنية الأساسية فحسب، بل تميل للاستناد إلى ثقافة سياسية مواتية للنمو الشخصي للمواطنين. فيما تشكّل غالبية الدول صفة إنها ذات ديمقراطية منقوصة أو هجينة أو غير ديمقراطية بتاتاً. ويستند مؤشر الديمقراطية العالمي إلى خمس معايير حاكمة تشمل: العملية الانتخابية والتعددية، عمل الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية، والحريات المدنية.
يمكن حصر عوامل التراجع الديمقراطي في دول العالم إلى عوامل عدة منها: إضعاف العملية الانتخابية والتعددية، تآكل الحريات المدنية، انعدام ثقافة سياسية عامة، إضفاء المزيد من الرقابة على حرية التعبير، إتساع دائرة الأنظمة الاستبدادية والأنظمة الهجينة.
هناك فقر سياسي واضح في معظم دول العالم، هناك اختطاف للديمقراطية وارتداء لبوسها كقشرة تغلّف وتغطي الاستبداد لدى كثيرٍ من الأنظمة السياسية، فهناك عمليات انتخابية تجري في أعتى الدول القمعية وتحت ظل أعتى الأنظمة البوليسية، هناك موت سريري للديمقراطية نتيجة كثرة القيود التي تأخذ صفة قانونية وتشريعية تعمل على خنق الحريات الأساسية وبصورة تبدو كأنها مثالاً في الديمقراطية.
من المتوقّع أن تتطلّب الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة في عام 2024، استدعاء أكثر من ضعف عدد الأشخاص في العالم للتصويت، مقارنة بعام 2023. حيث من المتوقع أن يقوم 4.5 مليار نسمة بالانتخاب، وستجرى انتخابات في ثمان من أكبر عشر دول من حيث عدد السكان، ومنها الهند التي تضم وحدها 1.4 مليار شخص. والباكستان وإندونيسيا والولايات المتحدة والدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي، وفي بريطانيا، وقد وصفت مجلة إيكونوميست (The Economist) عام 2024 بأنه أكبر عام انتخابي في التاريخ.
مفارقات يعيشها العالم بين إجراء أكبر عمليات انتخابية، وبين تراجع الديمقراطية وتقييد الحريات الواسعة.
في الحالة العربية، فإن كثيراً من الدول العربية مستقرة وقابعة في أدنى مراتب مؤشر الديمقراطية وعلى مدار سنوات عديدة، وتقع كافة الدول العربية ضمن مستويات الدول منقوصة الديمقراطية أو الهجينة أو الاستبدادية.
في اليوم العالمي للديمقراطية يسود الأرض هيمنة استبدادية وانكماش ديمقراطي، مع ذلك وكما قال ذات تصريح ( تشرشل) إن الديمقرطية هي أفضل الأسوأ للأنظمة السياسية، فلا خيار أمام العالم بصرف النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم وأيديولوجياتهم وأعراقهم عن الخيار الديمقراطي باعتباره ما زال حتى الآن يمثّل الأداة العملية الموضوعية في قضية التمثيل والتداول السلمي للسلطة وتعزيز حرية الأفراد ضمن هامش حرية المجتمعات.