الخواجا يكتب : ما زالت فلسطين وستبقى

بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – حفظت لنا بطون التاريخ حكايات مشرّفة وبطولية تجتمع كلها على عامل أساسي بقيمة رفيعة تمثّل في أن الشعوب الحيّة تقاتل بأظافرها وكل مواردها وإمكاناتها في سبيل الحفاظ على كرامتها وحريتها وأرضها وعرضها. هذه القيمة التي أخذت شكلاً ايقونياً تم صونه عبر كافة التشريعات والقوانين المحلية والدولية باعتبار المقاومة ضد المحتل الغاصب هي أرقى أنواع النضال والتحرر.
ليس حديثاً عاطفياً بالرغم من أهميته، بل هو حديث وصفي تحليلي لما جرى وما زال يجري منذ السابع من أكتوبر لعام 2023.
من أحدث لقطة ظهر فيها رجال المقاومة في كامل هيئتهم العسكرية مع هندام مرتّب نظيف مع كامل العتاد، ومركبات حديثة نظيفة كأنها انتهت للتو من محطة الغسيل، معبأة بالوقود وربما بالبنزين 98، ومع عديد تجاوز المئات الذين بدا وكأنهم آتون من معسكراتهم بعد تلقي وجبات طعام وبعد تدريب وتمارين رياضية وعسكرية، وليس كما كان متوقعاً خروجهم بملابس رثّة وأجساد هزيلة وتوتر الخائف المذعور.
كانوا كأنهم قد استحموا جيداً وارتدوا ملابسهم وبزاتهم التي تم إرسالها لمحلات الدراي كلين واستلامها، وربما المعطرة بأفخر أنواع العطور. هذا المشهد الهوليوودي وربما الهندي الذي اعتدنا على مشاهدته في الأفلام مع الاسترسال في الخيال، نسجه على أرض الواقع أبطال أعظم صمود في التاريخ الحديث على أرض غزة الباسلة.
ماذا عن الفتيات الأسيرات بهيئتهن كاملة الأناقة والراحة، بملابس وهندام نظيف وواضح أنه لم يكن محرومات من الطعام والاستحمام والنظافة العامة، لا بل الأقوال أنهن كن محتجزات في شمال غزة المحاصر والمدمر والمستباح طولاً وعرضاً والواقع تحت المراقبة والمسيرات طيلة الوقت.
470 يوماً من حربٍ شرسة لا أخلاق فيها ولا احترام لإنسانية، صمود أسطوري لم تعهده الشعوب، دمر فيها 70% من بنية غزة وأحيائها، خرجت الإدارة العامة عن العمل كلياً، خرجت المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد ورياض الأطفال ومراكز ذوي الإعاقة والتنمية الاجتماعية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
أكثر من 15 شهراً من الحصار والدمار قتل فيها 50 ألف شهيد، 80 ألف جريح منهم آلاف ممن بترت أعضائهم الحركية، آلاف من الأطفال ممن يسمون « الناجين» الذين تم القضاء على عائلاتهم عن بكرة أبيهم ولم ينج إلا طفل أو طفلة منها.
تقطعت أوصال الغزيين وأوصال غزة، لكنها علمت الدنيا معنى الرجولة والبطولة والشهادة والفداء وشيءمن العزة والكبرياء.
كنت أريد الحديث عن توقف القصف والمسيرات في سماء غزّة، لكنه وجع وألم وأمل واحد. ولنا عودة