أقلام بوست

تجربتي مع جماعة عمّان لحوارات المستقبل بعد سبع سنوات من العضوية

عمان بوست – بقلم وزير النقل الاسبق الدكتورة لينا شبيب

عندما انضممت إلى جماعة عمّان لحوارات المستقبل قبل سبع سنوات، لم أكن أتوقع أن تتحول هذه الخطوة إلى واحدة من أكثر المحطات تأثيرًا في حياتي الفكرية والمهنية. كانت البداية بسيطة: دعوة لحضور لقاء حواري، لكن شيئًا في روح الجماعة شدّني منذ اللحظة الأولى. شعرت أنني بين أشخاص يشبهونني في القلق على الوطن، ويختلفون عني في الزاوية التي ينظرون منها إليه. وهذا بالضبط ما كنت أبحث عنه: مساحة آمنة للاختلاف، وبيئة تُقدّر الرأي وتحتفي بالفكرة.
لم تكن الجماعة يومًا مجرد “منبر للنقاش”، بل فضاء تفكير جماعي حقيقي، حيث تتقاطع الرؤى والتجارب، ويُصاغ الفهم بهدوء، لا بصخب. وما كان يعزز هذا الطابع العميق هو الهيكل الذي اختارته الجماعة لنفسها: فرق عمل متخصصة، تلتقي دوريًا، تناقش، تكتب، ثم ترفع ما توصلت إليه إلى الاجتماع العام الذي يُعقد في أول ثلاثاء من كل شهر. لم يكن هذا مجرد ترتيب تنظيمي، بل أسلوب حياة فكرية. أن تستمر مثل هذه المنظومة لعشر سنوات دون أن تفقد روحها، فهذا بحد ذاته إنجاز يدل على أصالة الفكرة وصدق من يؤمن بها.
كنت وما زلت جزءًا من عدد من هذه الفرق، ووجدت نفسي في قلب نقاشات ثرية، جادة، ومحترمة. لم تكن الاجتماعات مجرد تبادل آراء، بل فرص حقيقية للتعلّم وإعادة النظر. وأجمل ما في التجربة، تلك اللحظات التي نستضيف فيها شخصية وطنية بارزة – رئيس وزراء سابق، أو مفكر، أو وزير مخضرم – حيث نمارس أرقى أشكال الحوار: نصغي أولاً بكل احترام، ثم نناقش بروح منفتحة، ونحافظ على الوقت وكأننا نحرسه من الفوضى. كانت تجارب هؤلاء الضيوف – خاصة من تولوا مواقع صنع القرار – تترك فينا أثرًا عميقًا، وتجعلنا نعيد النظر في أحكامنا، ونفهم التعقيد الذي يحكم العمل العام.
ومن الشخصيات التي لا يمكن تجاوز أثرها في الجماعة، الأستاذ بلال حسن التل. ليس لأنه فقط يرأس الجماعة، بل لأنه صمّم بنيتها الفكرية بروح هادئة وثابتة. قيادة الأستاذ بلال كانت دائمًا هادئة ولكن حازمة، مفتوحة ولكن غير قابلة للمساومة على المبادئ. كان الحاضر الدائم بعقله ورؤيته، حريصًا على أن تبقى الجماعة مساحة مستقلة، موزونة، لا تنجرف وراء الاستقطاب، ولا تهادن في القضايا الوطنية الكبرى.
من خلال هذه التجربة، أعدت اكتشاف الكثير من القيم التي أؤمن بها: أهمية الحوار، وقيمة الفهم العميق، وفضيلة الصمت أحيانًا. وعلى المستوى المهني، ساعدتني الجماعة في تطوير رؤيتي للسياسات العامة، وخصوصًا في مجالات عملي المرتبطة بالنقل والتنمية والتخطيط الحضري. لقد أصبحت أرى السياسات من منظور أوسع: كيف يشعر بها الناس؟ كيف تؤثر على حياتهم اليومية؟ ما علاقتها بالهوية والمواطنة والعدالة؟
حين أعود بذاكرتي إلى البدايات، لا يسعني إلا أن أشعر بالامتنان. سبع سنوات من الانتماء لفكرة، لفريق، لرؤية تؤمن أن الأردن يستحق الأفضل، وأن الحوار هو السبيل الوحيد نحو مستقبل أكثر وعيًا. هذه ليست تجربة عابرة، بل فصل مهم في كتاب حياتي. وأنا أؤمن أن الجماعة ستبقى، لأنها بُنيت على أساس متين: الإيمان بالوطن، والثقة بالعقل، واحترام الإنسان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى