الخطيب يكتب: الخمر المغشوش.. سمّ يباع على قارعة الفساد

عمان بوست – بقلم م. مدحت الخطيب
يتزايد عدد ضحايا الخمور المغشوشة يوماً بعد يوم. وفيما تمتلئ المستشفيات بحالات التسمم، وتُسجّل الوفيات تِباعاً، لا تزال الأسئلة الجوهرية غائبة عن الساحة:
من صنع هذه الخمور؟ من وزّعها؟ وكيف وصلت إلى هذا العدد من الخمارات والمستهلكين دون أن يُكشف أمرها؟
هذا الحديث لا يحمل تنمّراً، ولا شماتة، ولا وصاية دينية. نحن لا نحلّ مكان الله في محاسبة الناس، بل نُخاطب الدولة بعقلها وقانونها ومسؤولياتها وواجباتها …
ما حدث ليس “ظاهرة فردية” ولا “حادثة طارئة”، بل جريمة مركبة، بدأت القصة من مكان يقال أنه مصنع مرخص ، وتم الحصول على مادة شديدة السمية بطريقة سهلة، ساهم في تحضيرها يدٍ اثمه لا يهمها الا المال ، وغُطيت بعيون لا بل أُغمضت عنها عيون عمد أو بجهل وتقاعص من قبل جهات واجبها أن تحمي المجتمع وتحافظ عليه..
فمن الذي سمح لهذا السم أن يُصنّع وبهذه الطريقة ؟؟؟
وأين الجهات الرقابية، من مؤسسة الغذاء والدواء، إلى الجمارك، إلى أجهزة إنفاذ القانون؟؟؟ وهنا يسجل للطب الشرعي الذي دقق في أول حالات الوفاة وقام بالتشريح للجثث والوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية ، وكذلك لنشامى الأمن العام والأجهزة الأمنية على الإسراع في كشف خيوط القضية ومتابعتها والوصول الى السوق والمصنع المزعوم وسحب المنتجات بشكل كامل وبوقت قياسي وتوقيف من له علاقة بالأمر ..
من حقي كمحب لهذا الوطن أن أسأل هل من المعقول أن تنتج هذه الكمية من الكحول القاتل وتُوزع على عشرات المحال دون أن يستوقفها أحد؟؟؟
الواقع يقول: نعم، هذا ممكن… لأن الرقابة الأهم إما نائمة أو مُنومة…وهنا أتحدث عن الرقابة الذاتية والتي ولد من رحمها مصطلح الانتماء الصادق للوطن والمواطن وتعريف المواطنه الحقيقية ..
أستحضر في هذا المقام صوتاً صادقاً لطالما سبَق زمنه؛ صوت الوزير الراحل د. عبدالرحيم ملحس، حين تحدث في التسعينيات من القرن الماضي واعلنها بمرارة عن الغذاء والدواء : حيث قال وعلق الجرس
“لقد دخلت السموم إلى غذائنا ودوائنا”..
عندها سُخر منه كهنة الاتجار بالوطن وحاربوه حتى استقال ، لكنه كان مُحقاً في كل ما قال ..
اليوم، وبعد أكثر من عقدين، يبدو أن السم لم يخرج من نفوس وعقول شياطين الإنس .. بل تبدل فقط في شكله…
اليوم تحولت تجارتهم من غذاء ودواء.. إلى زجاجات خمر مغشوشة تفتك بشباب في عمر الزهور…
اليوم، يبدو أن السم لم يغادر حياتنا وهنا لم يتوقف الأمر على هذا المنتج فمن باع ضميره ممكن ان يفعلها في العصائر والشيبس والالبان و الاجبان واللحوم والدواجن وغيرها ..
ومن هنا ولنكن واضحين:
لسنا نناقش الآن حرمة الشرب من عدمه… نحن أمام قضية قتلٍ متسلسل، يُنفذ بهدوء عبر زجاجات مغشوشة، بينما من يفترض أن يحمي الناس مشغول بـ”الإجراءات” الورقية .واللقاءات التلفزيونية
رسالتي إلى دولة الرئيس وعندي يقين أن الأمر لن يمر مرور الكرام فمن يعرف دولته يعلم أن الأزمة لم تنتهي عند هذا الحد ولن تنتهي ، فنحن في دولة لها في وجدان دولته الكثير، ومن هنا يا دولة الرئيس عجل بالبتر والضرب بيد من حديد فكان يكفي أن تسجّل حالة وفاة واحدة فقط لتهتزّ الأجهزة المختصة، وتُغلق المحال، وتبدأ التحقيقات.