الخواجا يكتب : شراء الموت

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

كبسولة يكون الجلوس فيها قعوداً، الجولة فيها تتطلب دفع ربع مليون دولار عن الشخص الواحد، رحلة غوص في قاع المحيط محفوفة بأسباب كثيرة من المحاذير والمخاطر واحتمالية اللاعودة. ما الذي يدفع مليارديرا يمتلك كافة وسائل الحياة والرفاهية وإمكانيات الحصول على ما يريد، أن يضع نفسه في كبسولة لا مجال فيها لمجرد الوقوف من أجل الغوص عميقا في المحيط لمسافة تزيد عن 4000 متر تحت السطح لمشاهدة سفينة التايتانك الغارقة منذ أكثر من قرن، مشاهدة من خلف الزجاج لا أكثر ولا أقل.

أية هواجس ورؤى تستحوذ على أفكار ومشاعر الإنسان بحيث يسعى إلى مغامرة غير محسوبة ونسبة المخاطرة فيها تفوق 80%، وإمكانية عدم العودة والسلامة واضحةً تماماً. ما هذا الإنسان الغريب العجيب؟

كيف يشتري الموت وبمبالغ باهظة لا يقدر عليها إلا أصحاب المال والجاه والإمكانات. وهل يشترى الموت؟

هذه الحادثة التي وقعت قبل سنوات وبعد جائحة كوفيد- 19، عندما شرعت ما تدعى جزافاً بالغواصة تيتان رحلتها لأعماق الظلام في المحيط الأطلسي من شهر حزيران للعام 2023، بكلفة وصلت الى 250 ألف دولار للراكب الواحد، يدفعها بشغف من أجل الجلوس داخل كبسولة مغلقة على ركبتيه ليغوصوا مسافة 4 كم تحت سطح الأطلسي لمشاهدة بقايا سفينة غارقة منذ 115 عاما، ليلقوا مصيراً مجهولاً أفضى بهم للنهاية المفجعة بالموت في كبسولة تحت الماء. أربعة مغامرين بخلاف قائد الكبسولة ينتهون تحت الماء.

شغف أنهى حياة أفراد يمتلكون المال والجاه وتلبية أية رغبات لهم. أول المغامرين هو هاميش هاردينج عمره 58 عاماً ، يعشق المغامرات وحصل على 3 أرقام قياسية في موسوعة جينيس، منها رقم قياسي في رحلة غطس واحدة لمدة 4 ساعات و 15 دقيقة، ورقم في أسرع طواف بين القطبين الشمالي والجنوبي. ليلقى حتفه في الكبسولة تيتان. أما الثاني والثالث فهو الملياردير الباكستاني الأصل شاه زاده داود وعمره 48 سنة وابنه سلمان وعمره 19 عاماً، فيما كان الرابع الفرنسي الملياردير هنري نارجوليه، وآخر الضحايا كان صاحب الغواصة الكبسولة ستوكتون راش أمريكي، لم يحصد من هذه الرحلة إلا الموت وخراب الديار.

حينها جاءت الأخبار لتفسير ما حدث للكبسولة بأن هناك انفجاراً داخل الكبسولة هو على الأرجح الذي تسبب بوفاة ركابها الخمسة. من تيتانك إلى تيتان رحلة موت باهظة التكلفة تتشابه بصورة مثيرة للدهشة.

كانت الدعاية للكبسولة ورحلتها مثيرة للغاية، « اتبع خطوات جاك كوستو وكن مستكشفاً تحت الماء، من الغوص الى حطام RMS Titanic ، هذه فرصتك للخروج من الحياة اليومية واكتشاف شيء غير عادي حقاً، كن واحداً من القلائل الذين يرون التايتانك بأم عينيك.

تستغرق الرحلة ثمانية أيام، ويستغرق الغوص والوصول الى حطام التايتانك قرابة ساعتين، لكنه يبدو قصيراً للغاية بسبب المشاهدات الرائعة لما يحتويه المحيط وكأنه فضاء خارجي يسبح المرء فيه.

شغف يفضي لنهاية مرعبة، لكنها متوقعة وإن لم يصرّح بها صاحب الكبسولة. أي طينةٍ معجون بها هذا الإنسان الذي تنطبق عليه مقولة « كاد الفضول أن يقتل صاحبه». لكن أن يقوم المرء بدفع كلفة نهايته بطريقة فظيعة مفجعة. فهذا هو الإنسان بتناقضاته وهوسه في التعلّق بالمستحيل والغريب واقتحام النهايات الحزينة بشغف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى