فراعنة يكتب : نضال تدريجي متعدد المراحل

عمان بوست – بقلم الكاتب السياسي حمادة فراعنة

القضية الفلسطينية قضية وطنية للفلسطينيين، وللفلسطينيين فقط، ولهذا لا أحد يملك الحق في تحميل المسؤولية لأي عربي، أو لأي مسلم، أو لأي مسيحي، مسؤولية ما يجري في فلسطين، باستثناء: 1-عدو الفلسطينيين- المستعمرة الإسرائيلية، و2-الشعب الفلسطيني وحركته السياسية الكفاحية.
الدور المصري، والأردني، والعربي، والمسلم والمسيحي، مطلوب وضروري لدعم الشعب الفلسطيني وإسناده من أجل: أولاً البقاء والصمود في وطنه الذي لا وطن له غيره: فلسطين، وثانياً دعم نضاله من أجل انتزاع حقوقه من الوحش المتطرف العنصري الفاشي: المستعمرة الإسرائيلية وهزيمتها، وثالثاً من أجل عودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي سبق وطُردوا منها: إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وبيسان وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
الثورة الجزائرية كانت أبرز مشروع وطني في العالم العربي، وكانت أبرز قضية قومية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ودفع ثمنها شعبها الجزائري بما يوازي مليون ونصف المليون شهيد، ولم يستشهد فيها، ومن أجلها لا تونسي، ولا مغربي، ولا مصري مع انها كانت في عهد عبد الناصر القضية الأولى قبل فلسطين، وقد تمكن الشعب الجزائري وحده، من تحرير وطنه، من الاستعمار الفرنسي المتفوق، وتم ذلك عبر تضامن معنوي سياسي عربي إسلامي أوروبي، بدون تدخل مباشر.
وهكذا في فلسطين، قضية فلسطين قضية الشعب الفلسطيني، وهم الذين سيدفعون ثمن حرية وطنهم واستقلالهم، وهم الأقدر على اتخاذ الإجراءات والسياسات، ووضع الأولويات التي يستطيعون من خلالها هزيمة عدوهم وإذلاله، وأبرز فعل حققوه تم بفعل ونتائج الانتفاضة الأولى عام 1987 المدنية السلمية، وتم بفعل الحجارة، وتمكنوا من خلالها انتزاع: التسليم الإسرائيلي والاعتراف بالعناوين الثلاثة لأول مرة، الاعتراف: 1- بالشعب الفلسطيني، 2- بالحقوق السياسية للفلسطينيين، 3- بمنظمة التحرير والتفاوض معها، والتوصل إلى اتفاق أوسلو عام 1993، الذي نقل العنوان والنضال والموضوع الفلسطيني من المنفى إلى الوطن، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه ومن خلاله عاد حوالي نصف مليون عربي فلسطيني، و ولادة السلطة الوطنية على أرض فلسطين كمقدمة لقيام الدولة.
اليمين الإسرائيلي الذي وقف ضد إتفاق أوسلو «الخياني»، وعمل على إحباطه وإفشاله : قتل إسحق رابين لأنه وقع أوسلو بسبل «خيانته » ، و تنازله عن أرض «إسرائيل» الكاملة، واغتالوا الشهيد ياسر عرفات، لأنه انتزع منهم الاعتراف، والانسحاب ، وقيام سلطة فلسطينية، مهما بدت متواضعة بسيطة في حكم ذاتي مؤقت محدود، على أرض فلسطين، أي على حساب أرض «إسرائيل» من وجهة نظرهم المتطرفة.
و الانتفاضة الثانية شبه المسلحة عام 2000، أرغمت شارون على الرحيل من قطاع غزة، بعد إزالة المستوطنات، وفكفكة قواعد جيش الاحتلال.
السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات سابقاً، ومحود عباس لاحقاً، عملوا وفق الظروف والمعطيات المتوفرة، وكلاهما حرص على توسيع قاعدة السلطة الفلسطينية ومشاركة القوى السياسية الأخرى في مؤسسات صنع القرار، وأبرز حدث على ذلك نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، حينما شاركت حماس فيها بقرار سعى له ياسر عرفات قبل ذلك، و شاركت حماس بقرار من المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، بعد مفاوضات بين مكتب المرشد والأميركيين في واشنطن، وحققت حماس نجاحاً في الانتخابات التي دعا لها الرئيس محمود عباس، مع حركة فتح، وأشرفت عليها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وسلم بنتائجها، حينما تفوقت حماس، وحصلت على 74 مقعداً، وفتح على 45 مقعداً، وسلّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنتائج فوز حركة حماس، وبذلك نالت رئاسة المجلس التشريعي عبد العزيز الدويك، وكلف الشهيد إسماعيل هنية رئيس حركة حماس آنذاك ، بتشكيل الحكومة، ولكن بعد سنة فقط قامت حماس بانقلاب دموي فرضت إدارتها المنفردة على قطاع غزة منذ 14/6/2007، حتى يوم 7 أكتوبر 2023.
من حق حركة حماس ودورها ومبادرتها توجيه عملها الكفاحي ضد الاحتلال لاستكمال خطوات تحرير فلسطين، فكانت عملية 7 أكتوبر غير مسبوقة بعدد القتلى الإسرائيليين 1200، وعدد الأسرى الإسرائيليين 250، وشكلت صدمة ومفاجأة لكافة الإسرائيليين ومؤسساتهم وأجهزتهم وجيشهم.
حماس لم تتشاور لا مع مصر، ولا مع الأردن، ولا مع حزب الله والنظام السابق في دمشق الذين دفعوا ثمن مبادرة حركة حماس الكفاحية، ولذلك لا يحق للإخوان المسلمين وامتداداتهم وأتباعهم ومن يقف معهم، معاتبة أو ملامة أو توجيه النقد لأي طرف عربي، ودعوته لممارسة دور تصادمي على الأرض، وفي الميدان لمواجهة المستعمرة الإسرائيلية عسكرياً، أو لفتح الحدود عنوة، لإسناد أهالي قطاع غزة الجوعى العطشى المرضى نحو الموت.
الفلسطينييون في قطاع غزة يدفعون ثمن إدارة حركة حماس المنفردة لقطاع غزة لمدة 17 سنة، ويدفعون ثمن عملية حركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023، التي لها ما تستطيع المباهاة بها، وقد تخجل من فعل لا تملك شجاعة الاعتذار عنه، ولكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان قبل 7 أكتوبر، وسيستمر بعد 7 أكتوبر وتداعياتها.
لا يحق لأحد دفع الأردن أو مصر أو السلطة الفلسطينية أو فلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أو أي طرف عربي نحو مغامرة خاسرة لتكون نتائجها وجع قطاع غزة وآلامهم ودمارهم، فالمعطيات لا تتوفر لمواجهة قدرة المستعمرة وتفوقها بدعم أميركي وأوروبي كما حصل واضحاً بعد 7 أكتوبر، وبعد الاعتداء الإسرائيلي على إيران، ولذلك مطلوب دائماً فعل كفاحي مدروس يُحقق نجاحات تراكمية لصالح الشعب الفلسطيني واستمرارية صموده ونضاله، وفرض التراجعات التراكمية على المستعمرة الإسرائيلية.
ستبقى القضية الفلسطينية للفلسطينيين، وهم أصحاب القضية، وهم الذين سيدفعون ثمن حريتهم واستقلالهم، وإذا اختاروا طريق الوحدة الوطنية بين فتح وحماس، بين الضفة والقطاع سيختزلون عوامل الزمن نحو تحقيق الانتصار، وهو الطريق السوي المجرب لدى كل الشعوب التي انتصرت بفعل وحدتها في مواجهة العدو الواحد المتفوق الذي لا يفرق في قمعه وبطشه وتدميره واغتيالاته بين أي مناضل فلسطيني بصرف النظر عن انتمائه الحزبي التنظيمي الجغرافي.
صمد الفلسطينيون، وهي بداية وخطوة تراكمية على طريق الانتصار الطويل، وأخفق الإسرائيليون وفشلوا يوم 7 أكتوبر وتداعياتها، وهي خطوة تراكمية على طريق التراجع و الاندحار والهزيمة لهم مع مرور الوقت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى