فراعنة يكتب : دولة واحدة لا دولتان

عمان بوست – بقلم الكاتب حمادة فراعنة
يُجيد الدكتور أسعد عبد الرحمن، اختيار ضيوفه من المحاضرين لنشاط «منتدى العصرية»، أو منبر «جمعية فلسطين الدولية»، وينتقي بدقة وروية، حتى يفوز بما هو أفضل، كما يليق بمكانته السياسية والأكاديمية، وبذلك يتمكن من حشد حضور، يستجيب لدعواته في «جلب» محاضرين مُميزين، أردنياً وعربياً وعالمياً، وفي تقديم محاضرات، وعمل ندوات، ذات مضامين رفيعة، تضاهي عروضاً متعددة، يضيق لها الوقت من كثرتها وتنوعها.
في آخر نشاط «منتدى العصرية»، ضمن البرنامج الثقافي، أحضر الطبيبة الكاتبة الناشطة السياسية المقيمة في لندن: د. غادة الكرمي، التي قدمت محاضرة حملت عنوان التحدي:
«فلسطين: أي مستقبل بعد حرب الإبادة؟»، والحقيقة هي رؤية، أو اجتهادات، أو تخمين، لسيدة تعيش بالغرب، تملك القدرة الأصح على مخاطبة الشعوب الأوروبية، ومحاولة كسب ودها، ودفعها للانحياز نحو حل مستقبلي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقوم على الاستجابة لمصالح طرفي الصراع، وطبعاً هذا لن يتم إلا بعد التخلص من الاحتلال وآثاره، وجرائم الصهيونية وتبعاتها.
الحقيقة أنها تملك القدرة على مخاطبة الغرب، أكثر من امتلاكها لمفردات التخاطب السياسي معنا كعرب ومسلمين ومسيحيين، ما زلنا نعيش حالة عدم التفهم لتلبية مصالح «شعبين» ما زالا في ذروة الصراع، وتلبية مصالح «شعب إسرائيلي» ما زال في كون التكوين، حيث لم تتوقف هجرة الأجانب إلى فلسطين، إعمالا في تغييب هويتها الوطنية كفلسطين، والقومية كعرب، والدينية كمسلمين ومسيحيين، بدون شطب المكون الثالث اليهودي.
تذهب د. غادة الكرمي بعيداً في تقديم رؤيتها لحل الصراع، وهو البُعد الاستراتيجي بعيد المدى القائم على «حل الدولة الواحدة الديمقراطية» بهويتين فلسطينية إسرائيلية، وقوميتين عربية وعبرية، متعددة الديانات من المسلمين والمسيحيين واليهود والدروز.
النضال الفلسطيني بدأ ببرنامج تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وإقامة دولة واحدة ديمقراطية نقيضة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، دولة تضم «الشعبين» متعددة الديانات، بهويتين، ولكن مسار النضال لم يذهب بهذا الاتجاه، بل سار باتجاه ما يُسمى: «الحل المرحلي» القائم على حل الدولتين، وفق صيغة قرار التقسيم الأممي 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29/11/1947، وتتالى في سلسلة من القرارات الوطنية من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، والقمة العربية، وصولاً إلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الاتجاه.
د. غادة الكرمي بمحاضرتها، ورؤيتها ذهبت إلى الأقصى، قافزة عن الحلول المرحلية، وحل الدولتين، باتجاه الحل الاستراتيجي المستقبلي: حل الدولة الواحدة الديمقراطية على كامل خارطة فلسطين.
قلت إن الدكتور أسعد عبد الرحمن، يسعى لعرض غير تقليدي في اختيار محاضريه، وهكذا كان بهذا الاختيار الذي قدمته د. غادة الكرمي، وهي تقرأ وتستنتج مستقبل فلسطين، بعد معركة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من قبل قوات وبرنامج وعدوان وحرب المستعمرة على قطاع غزة، أنها تملك الثقة أن هذه الحرب مهما قست على حياة الفلسطينيين، ولكنها تملك الثقة لإقناع المجتمع الدولي، بضرورة الانحياز لحل الدولتين، رغم أن 149 دولة من أصل 193 دولة أعضاء الأمم المتحدة يؤمنون ويعترفون بالدولة الفلسطينية على جزء من خارطة فلسطين، أي أنهم يتمسكون بحل الدولتين، فأتت د.الكرمي لتقول لهم عليكم أن تقفزوا من الحل المرحلي إلى الحل النهائي الاستراتيجي: حل الدولة الواحدة الديمقراطية على كامل خارطة فلسطين، وتقول ذلك وهي مُبشرة وواثقة ومسكونة بالأمل.