المجالي يكتب : أنا مع قطر، مع الرمل، مع الرواية .. مع النخل، مع العروبة

عمان بوست – بقلم عبدالهادي راجي المجالي
ضربت قطر أمس ، وذاك اول استهداف إسرائيلي لدولة خليجية ..
ما أوجعني في المشهد ، هو حجم السخرية التي خرجت من الناس ، بعضهم نشررسومات كاريكاتورية ، تستخف بالمشهد ، وبعضهم قال أن هنالك مؤامرة ..وبعضهم صور الأمر على أنه اتفاق ..بدلا من أن نتنصر لقطر ، صار البعض يدين هذه الدولة …للأسف .
حسنا …البارحة وأنا أشاهد على قناة الجزيرة مكان القصف ، وصور سيارات الأمن..لاحظت أن سيارات حمراء قد كتب عليها (الخوية) ..وتبين لي أنها قوات أمن داخلي وسيارات أخرى مكتوب عليها (الفزعة) هي ذات الشيء جزء من منظومات أمن قطرية ، على الأقل في تسمياتهم لجيشهم انتصروا للهوية والتراث ..وفي سلوكهم السياسي مع الشعب (الف لس طيني) مارسوا الفزعة بأعلى درجاتها ، فلولا الجزيرة لغاب أكثر من نصف المشهد الدموي في (غ زة )، ولولا القيادة هناك لما وجدت (ح م اس) شباكا تطل منه وتعرض قضيتها ..
قطر ليست البحر والصحراء والجمال والغاز ، قطر هي الدولة التي فتحت فضاءات الدوحة لكل مطارد عربي ، لكل عقل مستنير ..لكل متهم ، لكل صاحب معتقد سياسي حوصر أو شوه ، في عالمنا العربي … قد يقول البعض : استضافت الإخوان في دوحتها ، حسنا تلك ليست تهمة ، وقد يقول اخر أنتجت دورا في الربيع العربي ….الدولة أصلا بدون دور هي دولة هامشية ..ويقد يهمس بعضهم قائلا : غردت خارج السرب …وكيف تعرف الفرس الأصيلة في شرع من يمتهنون الفروسية ، هي أصلا تعرف بظهرها العصي على أي فارس ، وبكثرة حركتها …مادون ذلك تسمى (الكديش) ..قطر هي الفرس الحرون في ميدان صار محاصرا ومكبلا ، ومدجنا .
زرتها مرة واحدة في حياتي ، للمشاركة في برنامج على قناة الجزيرة …وأنا هنا لا أقدم فاتورة مدح ، على غرار شعراء الدولة الأموية ، ولم أنظر للعقال هناك ولا للدشداشة على أنهما مصدر العطايا ، ولا أجيد نظم الشعر النبطي …كي أقول قصيدة في طويل العمر ، من أجل ساعة ذهبية فاخرة ، لكنها العروبة في دمي التي يجب أن تستفز كل واحد فينا كي يكون غيورا ، على دولة بحجم بؤبؤ العين ، لكنها في العطاء والصبر مثل سيل جارف …يجتاح كل ما حوله .
حسنا سأقول للذين تعاطوا مع الأمر في إطار السخرية أمرا مهما …ذات يوم قال تيسير السبول في وصف البدو : (بدويا خطت الصحراء لاجدوى خطاه ..سار في عينيه وهج الشمس ، والرمل وعود برمال ومدى الصحراء صمت وعذابات ارتحال) …هؤلاء تماما مثلما وصفهم تيسير ، لن تجثو ركبهم ، ولن يطلبوا من أمريكا الصفح …لقد ضرب رملهم ، وحاولت إسرائيل أن تمحوا أثر خطاهم على صحراء أحبوها ، وارتضوها مستقرا لهم بعد الموت ، وصاغوا فيها وجدهم وأحلى قصص غرامهم …هؤلاء في لحظة قد يتجهون للصين ، للمارد الاسيوي ..وستفتح لهم كل خزائن الأسلحة هناك …إسرائيل أعطتهم المبرر كي ينتجوا أعتى منظومات الدفاع الجوي في العالم العربي ، ويتحرروا من السلاح الأمريكي ..
هؤلاء في لحظة قد ينقلون ترليونات من استثماراتهم في أمريكا ، إلى أوروبا وروسيا والصين ، هؤلاء قبل أن ينتجوا الغاز من أجل الرفاه …يفضلون انتاج الكرامة والدور والاحترام الدولي لمواقفهم وحركتهم ، هؤلاء على صغر حجمهم ..استطاعوا حفظ ماء وجه أمريكا ، وتأمين خروج امن لجيشها من أفغانستان ..وهؤلاء لهم تحالفاتهم في اسيا وفي أوروبا وحتى في أعماق إفريقيا .
قطر ليست دولة عابرة أبدا ، من استطاع أن يختطف الصورة والرواية في العالم العربي عبر قيامه بإنشاء قناة الجزيرة ، يستطيع حتما أن يجعل إسرائيل تدفع ثمنا …
البارحة وبعد عشر دقائق فقط من الرواية الأمريكية ، حول قيام البيت الأبيض بتبليغ قطر بالضربة ، تم تكذيب البيت الأبيض مباشرة …بجرأة سياسية عالية ..بعبارة أخرى هؤلاء ليسوا (زيلنسكي) الذي تحضره أمريكا لبيتها الأبيض وتقوم بتوبيخه وزجره ، لأن الصحراء كما هو معروف لا تترك أثرا لعابر فيها أو مسافر فالرمل حين يهب الهواء عليه يمسح كل أثر ..لكنهم غيروا معادلة في (الجيولوجيا) حين أصروا أن يبقى أثر خطاهم في الرمال العربية ، عصيا على الريح والقصف والفيضان …
للاسف مازال عالمنا العربي ، رهين عقلية المؤامرة ، ورهين تحويل المأساة لنكتة مازال عالمنا العربي ينظر للأحداث بعين واحدة ، ومازال الوعي فيه ..سلعة مفقودة لاتجدها أبدا ..
أنا مع قطر ، مع الرمل ، مع الرواية ..مع النخل ، مع العروبة في عيونهم وجباههم السمر ، مع ما قدموا وما فعلوا ..انا مع دمي وأنا فوق كل ذلك وبعد كل ذلك مع (ف ل س ط ين ) التي مازالت تغسل جديلتها ببحر الخليج ، ومازالت قطر مصرة على الإنحياز للدم (ا ل ف ل س ط يني) ..وللحرية ، وللحياة .
أنا مع قطر …. وأقولها بكل صدق ومن أعماق جوارحي مع (قطر العظمى).