السردية تكتب: كلمة على جدار

عمان بوست – بقلم ميسر السردية
بعد ثلاث اتصالات خلال دقائق، اضطررت للرد، كاتمة غضبي عن زنها المعتادة:

— أهلاً إيمان، أنا بخير، حرقت أم التلفون. شو في عندك؟!

— فش عندي شي. أنتِ شو عندك؟!

 قبل الرد على مكالمتها الملحة، حضرت ما يكفيني مؤونة مجاراتها بفكرة “تغيير جو” وتلبية دعواتها التي تداهمني بها كمداهمة أمنية:

— “نثنغ نيو آندر ذا صن”.

ع حطَّة إيدك: أكل، وشرب، ومتابعة أخبار غزة ومآسي الزمن القبيح…

— طيب، عازمتك ع “كُويسة شاي”.. بدِّي تعيشي يوم خريفي في حديقتي. تحْكِيش لا، بعرف قديش بتحبي هالجو…

صدّقي، السيارة بالترخيص، وما عنديش تطبيق سيارات الأجرة… يعني بالعربي، مافي مجال. يا حلوة، فخلي سيزيف بلا خريف…

دوت قهقهتها مردفة:

— انزلي، هيني بستناكِ تحت الدار. معك خمس دقايق، أو بطلعلك…

إيش رأيك بالقعدة؟ هاي الطاولة خشب جديدة، مناسبة لحديقة خريفية. بعرف بتحبي الشاي بكباية. ذوقي طعم المرمرية؛ هاي جتني من جنين، من بلدنا اليامون. قسمتهن بيني وبينك. وكمان، لمّا يوصلني زيت زيتون، حصتك من فرعة التنكة… يا الله… طلِّي كيف بلش الشجر يتعرى… والريحان شكله صار بيحزن… صحيح… مبارح شفت واحد ع “الفيس” عامل كرنفال طنة ورنة لتوقيع كتاب… مين هو؟ شو حرفته بالزبط؟ بتعرفيه شي؟! كنو سياسي.

كعادتها، تهطل إيمان بكل شيء كعاصفة، لا تترك فسحة للتعليق… وحقيقة، تشبهني في ذلك، وإلا ما وافق شن طبقة…

— وين صافنة؟ فش اشي جديد حوالينا…

— مبلى؟ هاي الكلمة المكتوبة على سور البيوت المقابلة لبيتكم جديدة…

حدقت مليًا… فعلًا، جديدة. متأكدة أمس ما كانت… شكلو حدا كتبها بالليل أو الصبح بكير… الكتبجية كثار…

غريبة. مين قصده؟ أكيد مش إنتو… ولا أهل البيت المسّور… معقول عنده عداوة مع حدا يمر بالشارع.. لكن شو عرَّف هالحدا إنه المقصود بالشتيمة؟

يمكن قصده كل الناس؛ كل حدا بيمر ويشوف الكلمة مقصود فيها… يعني، وأنا وأنتِ كمان.. ولا شو؟!

— يا بنت الحلال، لا تعمليها “قصة يوسف”؛ يمكن ولد كاتبها عبث…

— مستحيل ولد… طلِّي.. ولا خط خطاط.. وباللون الأحمر كمان… طيب.. ديري وجهك عنها.. إذا متأثرة..

— “شايك كثير زاكي كالعادة.. شاي بدو”.

— “وين رايحة.. والله محضَّرة غدا”..

— لا لا “مش بيناتنا”… يا دوب نوصل قبل الأزمة المسائية…

لم أستطعم لا ب”المرمرية” ولا بانكشاف الأخضرار وتساقط الأصفرار… ظلت كلمة “سنحَكُو” التي خطها مجهول تستدعي كل الأشخاص، وشعوب الشرق، والمطارات، والموانئ، والحدود، وقاعات المؤتمرات، ومسارح المهرجانات، التي بودي لو أرفع بوجهها لافتة تحمل نفس معنى الكلمة التي أفسدت “الطشة”.. سحقًا لكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى