الخواجا يكتب : التلاعب في خرائط الجغرافيا والتاريخ والوجدان ( 1)
بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – « حدود الدم: ما هو شكل شرق أوسط أفضل» Blood borders: How a better Middle East would look، هذه مقالة نشرت بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عدد حزيران 2006. للكاتب بيترز ضابط متقاعد يحمل رتبة مقدم، في الاستخبارات العسكرية الأمريكية، وضع مخططا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط. في البداية ينطلق بيتزر من مقدمة أساسية سيبني عليها جميع النتائج التي سيخلص إليها في الأخير، وهي أن الحدود التي تفصل بين الدول في العالم ليست عادلة، لكن الحدود الأكثر اعتباطية في العالم هي تلك التي تشكل الدول الإفريقية و دول الشرق الأوسط، تلك الحدود التي رسمها الأوربيون لحماية مصالحهم. و يستعير بيترز مصطلح الحدود غير العادلة من تشرشل، ليعبر عن الوضع القائم في الشرق الأوسط، وهذا الوضع في اعتباره، سيحضر كسبب رئيسي في اندلاع الكثير من المشاكل؛ بين الدول والشعوب في المنطقة.
يتوقف بيترز عند مشكلة الأقليات، في منطقة الشرق الأوسط وما لحقها من ظلم فادح وذلك حين تم تقسيم الشرق الأوسط، أوائل القرن العشرين ( يقصد اتفاقية سايكس بيكو) مشيرا إلى هذه الأقليات «بأنها الجماعات أو الشعوب التي خدعت، حين تم التقسيم الأول» ويذكر أهمها: الأكراد، والشيعة العرب ومسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين. ويرى بيترز أن ثمة كراهية شديدة بين الجماعات الدينية والإثنية بالمنطقة تجاه بعضها البعض، وأنه لذلك يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط انطلاقا من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه!
من خلال إثارة بيترز لمشكل الأقليات في المنطقة والتي عانت في اعتباره من التقسيم الفرنسي البريطاني السابق، من خلال إثارة هذا المشكل، ينتقل بيترز ليصوغ الحل المناسب لهذا المشكل، ويقوم هذا الحل على إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، على أساس عرقي ديني (حدود الدم) . وهو يقدم هنا نموذجين:
1-النموذج الأول يرتبط بالكيان الصهيوني الطفل المدلل للاستعمار الأمريكي الجديد، وهذا المعيار في التقسيم سيكرس طابع الدولة العرقي والديني؛ كدولة لليهود ( تحطيم معيار الديمقراطية الغربية )!
2- النموذج الثاني؛ يرتبط بالأكراد، الذين خصص لهم بيترز حيزا مهما من مقاله وهو يتأسف عن غياب دولة كردية مستقلة. فهناك ما بين 27 و 36 مليون كردي يعيشون في المناطق المجاورة في الشرق الأوسط وحتى الرقم الأدنى يجعل الأكراد المجموعة العرقية الأكبر في العالم من دون دولة خاصة بهم . لكن هل هذا كله من أجل سواد أعين الأكراد أم إن في الأمر غاية أخرى؟ يجيب بيترز مباشرة ووضوح:» إن كردستان حرة تمتد من ديار بكر إلى تبريز ستكون الدولة الأكثر دعما للغرب بين بلغاريا و اليابان» !
سايكس بيكو وحكاية 108 أعوام من التلاعب بالعرب
لم يكن الخط الفاصل بين منطقتي نفوذ بريطانيا وفرنسا عقلانيا، بل كان فكرة بسيطة: كل شيء هنا عبارة عن رمال، لا داعي للأخذ بعين الاعتبار أراضي القبائل ومسارات الأنهار وقنوات الاتصال الجغرافي. إنه خط هندسي خالص، كل شيء تم بشكل عرضي».. هكذا وصف المؤرخ جيمس بار اتفاق «سايكس بيكو» في كتابه «خط فوق الرمل. الاتفاق الذي يحمل اسمي موظفَين واحد بريطاني والآخر فرنسي بلعبة يمارسها طفلان يرسمان دائرة فوق الرمل، ثم يشقانها بخط مستقيم، ويقرران أن كلا منهما يحوز الشطر الذي يليه.
تقع الاتفاقية في ثلاث صفحات، مكونة من 12 مادة وخريطة. وتلخص المصادر مضمون الوثيقة في قيام سايكس برسم خط أفقي يمتد من ميناء عكا على البحر الأبيض المتوسط إلى كركوك شرقا، حيث تعود المنطقة الواقعة شمال هذا الخط لفرنسا، أي جنوب تركيا وسوريا باستثناء فلسطين وولاية الموصل، بينما تسيطر بريطانيا على الجزء الواقع جنوبه، أي ولاية بغداد وموانئ عكا وحيفا شرق الأردن إلى غاية الحدود العراقية السعودية والأردنية السعودية الحالية، مع تخصيص فلسطين بوضع خاص يتمثل في إدارة عالمية.
عالم مليء بالخرائط التي تكتظ بالآلام والأحلام، عالم تشكّل ويعاد تشكيله بحسب التحالفات والتكتلات للقوى العالمية.
وتستمر الحياة..