فراعنة يكتب : الإصرار على البقاء

عمان بوست – بقلم الكاتب السياسي حمادة فراعنة
في الوقت الذي يُهدد فيه وزير حرب المستعمرة، إسرائيل كاتس، بتحويل قطاع غزة إلى جهنم، كأنه ومستعمرته وعساكره وأجهزته، لم يفعلوا ذلك، ولم يتجاوزوا كل المعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية، في قتل المدنيين الفلسطينيين، واستشهاد عشرات الآلاف، وإصابة أضعافهم وغالبيتهم من الأطفال والنساء والكهول، وتدمير أكثر من ثلثي قطاع غزة، ما زال هو ورئيسه الفاشي المتطرف، وتحالفهم مع بن غفير وسموترتش، يرتكبون ومستوطنيهم الأجانب في الضفة الفلسطينية ومخيماتها وقراها كل الموبقات، ويتبجح نتنياهو أنه فتح بوابات إدخال الطعام والماء والاحتياجات الضرورية والأدوية لقطاع غزة، مع انه مُجبر على ذلك، صاغراً أمام جوع الفلسطينيين وآلامهم وصمودهم، و رضخ لهم بسبب حجم الضغوط والاحتجاجات الأوروبية: الشعبية الرسمية والبرلمانية والحزبية، تضامناً مع فلسطين، ورفضاً لسلوك وسياسات المستعمرة وجرائمها، هذه البلدان التي صنعت المستعمرة وتبنت مشروعها الصهيوني على أرض فلسطين: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم، هي التي تقود الاحتجاجات ضد المستعمرة وجرائمها بحق أطفال فلسطين.
في ظل هذه المعطيات ينعقد مؤتمر فلسطين، الذي بادرت له العربية السعودية وفرنسا، وهي مبادرة نوعية جعلت كافة بلدان العالم، أو أغلبيتها، تُعبر عن موقفها ودعمها وتضامنها مع فلسطين من على منبر الأمم المتحدة، وكان حقاً يوماً مشهوداً: الاثنين 28/7/2025، على أنه يوم فلسطين، يستحضر معاناة شعبها، ويدعم نضاله، ويؤكد حقه في الحرية والاستقلال وزوال الاحتلال.
نضال شعب فلسطين، لن يحقق الانتصار بالضربة القاضية على مشروع المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين، ويهزمها، ولكنه نضال متواصل، متدرج، مع انجازات تراكمية باتجاهين:
الأول انحسار مكانة المستعمرة وكشف حقيقتها كمستعمرة عنصرية توسعية استعمارية فاشية السلوك والأجهزة والأدوات.
ثانياً تقدم مكانة فلسطين وظهور حقيقة قضيتها كقضية عادلة تستحق الدعم والإسناد والتعاطف مع شعبها والتضامن مع نضاله.
في الحالتين، يتم بشكل تدريجي متعدد المراحل، كما هو النضال الفلسطيني الذي بدأ بمحطته الأولى: ولادة منظمة التحرير كجبهة وطنية تضم الفصائل والأحزاب والاتحادات المهنية والشعبية والذوات المستقلة، قبل عام 1967.
المحطة الثانية: انتفاضة الحجارة عام 1987، التي أرغمت حكومة المستعمرة على الاعتراف: بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير، وبالحقوق السياسية للفلسطينيين، عبر اتفاق أوسلو 1993، الذي حقق الانتقال من المنفى إلى الوطن، وولادة أول سلطة فلسطينية على أرض فلسطين.
المحطة الثالثة: الانتفاضة الثانية عام 2000 التي أرغمت شارون على الرحيل من قطاع غزة عام 2005، بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال العسكرية.
والمحطة الرابعة: عملية 7 أكتوبر 2023 الكفاحية وتداعياتها، ومثلما كان للمحطات الثلاثة أثمانا بما فيها اغتيال قيادات المقاومة : ياسر عرفات، أحمد ياسين، مصطفى الزبيري وغيرهم من قيادات الصف الأول، ها هي المحطة الرابعة غير المسبوقة، يدفع الشعب الفلسطيني أثمانها الباهظة لما تحقق، وما يمكن أن يتحقق من إنجازات وطنية على الطريق نحو المحطة الخامسة.
إسرائيل كاتس يقول بوضوح سيكون نتائج استراتيجية لصفقة الاتفاق، ووقف إطلاق النار، ولهذا يعمل نتنياهو ومعه الرئيس الأميركي ترامب لتحويل الإخفاق الإسرائيلي في قطاع غزة إلى انتصار سياسي، بعد الإخفاق العسكري على الأرض وفي الميدان وهذا هو تفسير حدة المواجهات السياسية، والتردد في تنفيذ وقف إطلاق النار، والتلكؤ في توفير الاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
مؤتمر فلسطين لدى الأمم المتحدة لم يكن ليكون لولا:
1- معاناة الفلسطينيين وأوجاعهم التي حركت مشاعر العالم وأحاسيسه وتعاطفه، وانتقال ذلك إلى التحرك السياسي عبر هذا المؤتمر الذي بادرت إليه العربية السعودية مع فرنسا، وبموافقة السكرتير العام للأمم المتحدة.
2- تطرف حكومة المستعمرة وسلوكها الإجرامي..
دول العالم تتزايد نحو اعترافها بدولة فلسطين، وفي طليعتها فرنسا، وسيعقبها دول أخرى، مما يؤكد أن نضال شعب فلسطين وتضحياتهم له نتائج، ومؤتمر فلسطين الذي صنع يوماً مشهوداً لصالحها هو تتويج لهذه الإنجازات وثمناً
سياسياً لهذه التضحيات.
الإعلامية الزميلة لينا يوسف عليان في حوار إذاعي من على أثير إذاعة هوا عمان، أصرت على وصفها ما يحدث بين غزة ونيويورك على أنه: «إصرار على البقاء»، ردا على كل ما يتعرض له
الشعب الفلسطيني من مذابح، ورداً على محاولات التصفية والإلغاء.