الخواجا يكتب : نظرة لأداء الحكومة

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
في أية حوارات جادة يخرج أحدهم ممن يتبنى الفهم العلمي للحوار فيقول: برجاء تحديد المصطلحات والمفاهيم، لا أن تلقى كمجرد حديث مرسل. من هنا سأبدأ الحديث عن الحكومة الحسّانية ومراجعة أدائها.
ابتداءً ماذا تعني الجولات الميدانية لرئيس الحكومة شخصياً، في الفهم العام للعمل العام وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات، فإن القيام بجولات ميدانية انتقائية أو مخطط لها، متدرجة أو دفعةً واحدة، منظمة أو عشوائية، معلن عنها أو فجائية، تدخل كلها ضمن سياق لزوم ما لا يلزم، فليس مطلوباً من رئيس الحكومة ان يتفقد ويوعز بإجراء صيانة لمرافق مدرسة أو مركز صحّي، أو تزويد جمعية بجهاز حاسوب، أو الإيعاز بتركيب مراوح في بعض مكاتب احدى المديريات في وزارة البيئة، او تخصيص سيارة لمكتب العمل في احدى القرى، وهكذا. فإذا كانت هذه الأمور لا يعلم عنها المعنيون بها، ابتداءً من المدير الأصغر المباشر للجهة التي زارها رئيس الحكومة وانتهاء بالوزير المسؤول، فهذه كارثة الكوارث وهي إدانة مكتملة للحكومة وأركانها وللعمل العام بشكل عام. إنها تشير إلى تقصير خطير من طرف الجهات المعنية تسلسلاً تصاعدياً، وإذا لم تكن تلك التوجيهات ضمن مخصصات الجهات المختلفة، فهذا يعني أنها غير ذات أولوية أو أنه لا توجد أموال مرصودة، أو أنها مهملة ولا يعبأ بها القائمين عليها.
إن ثقافة القيام بجولات ميدانية لها بعض الإيجابيات وكثيرا، من المحاذير، والحقيقة أننا في الأردن اعتدنا على شخصنة وعلائقية المناصب بمن يتسيدوها، يجيء رئيس حكومة عاشق للإعلام، فيفتح أبواب الرئاسة والوزارات ويمنح الوقت للقاءات ومقابلات وحوارات معهم، ليجيء بعده حاقد وكاره للإعلام، فيشنّ حرباً طاحنةً عبر منظومة من العرفية والقيود والمنع ووقف الدعم، أي كأن أمور الدولة محكومة بمزاج وأهواء وليست بمعطيات واضحة وراسخة، عودة للجولات وما تتسم به، فهي أخذت وقتاً وجهداً كبيرين من رئيس الحكومة ومن الوزراء الذين بدورهم كانوا مجبرين على مرافقة الرئيس في جولاته، ناهيك عن استعدادات بقية المستويات الإدارية، لتنتهي الجولة بإيعازات معينة، ربما في غالبيتها يمكن لمدير إدارة تنفيذها ودون الحاجة للرجوع إلى أي مرجع أعلى منه.
في السياسة لم نسمع من هذا الرئيس وربما للإنصاف ومن عديد من الرؤساء الذين سبقوه رأياً سياسياً مباشراً في موقف أو حالة تمر بها الدولة والمنطقة. ولا يكفي اعتبار تصريحات وزير الخارجية بمثابة الموقف الرسمي للحكومة، بل كان دوماً مطلوب من رئيس الحكومة التصريح والخروج على المواطنين بخطاب سياسي يعبّر عن وجهة نظر الحكومة في مختلف القضايا السياسية.
في الإعلام لم نشهد للرئيس مقابلة صحفية أو متلفزة قدّم فيها رؤية الحكومة حيال الملفات التي تعمل عليها.
في التشكيلة الحكومية، هناك وزراء أتحدى أن يخرج مواطن واحد من الـ 12 مليون بمعرفة اسم أحدهم، فهم ومنذ تشكيل الحكومة لم نسمع عن وزاراتهم وأعمالها شيئاً، ولم يظهروا على وسائل الإعلام ولو لمرّةٍ واحدة.
وهناك وزراء ومدراء يستحوذون على صدارة الأخبار دون فهم مبرر له، وتجد هناك متابعات لكل ما يقومون به حتى لو كان بمستوى عقد اجتماع داخل الوزارة نفسها، أو بحضوره لندوة أو بمشاركته في عزاء أو نجاح ابنه في الثانوية العامة.
هناك وزراء ومدراء كان يجدر تأهيلهم في كيفية التصريح أو الظهور في لقاء تلفزيوني، حيث كانت تخرج عنهم ألفاظ عجيبة غريبة لا ينبغي صدورها ممن هم في سويتهم ومستواهم.
الحقيقة أنني أبحث في ملفات الحكومة العتيدة عن إيجابيات أضيء عليها، ربما اتسمت هذه الحكومة في أنها صمدت رغم تناقض أركانها بعدم انجرارها إلى إجراء التعديلات على الوزراء طيلة مدتها الماضية، وأنها اقتربت نوعاً ما من الشعب عبر إضطرار الوزراء والمدراء لمرافقة الرئيس في جولاته، لكن عندما نريد الحديث عن الإنجازات، أستذكر هنا حكومة الدكتور بشر الخصاونة التي اعتبرت مجرد قيام الخصاونة بزيارات وبعض الجولات بمثابة الإنجازات للحكومة، والواقع أن الإنجازات الحكومية إذا ما قيست على مؤشرات معيارية، فقد تصدم بأن كثيراً مما تسميه بالإنجازات، ليست إلا مجرد إجراءات ومهام، والأنكى إذا ما تبين أن تلك الإجراءات هي من نوع لزوم ما لا يلزم كما ذكرنا في بداية المقالة. أما عن تقييم الأداء الحكومي فهذا له مقالة ثانية.
