الخواجا يكتب : التعليم الجامعي ومفترق الطرق

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
منذ بدء الخليقة كان دوماً ثمة اصطفافات طبقية تدلل على طبيعة الخيارات والبدائل المتاحة لكل شريحة مجتمعية، كانت الخيارات النخبوية مقصورة على فئة القادرين المتمكنين بحيث يلتحقون بأفضل المسارات وينالون أفضل الاحتمالات ويحققون أعلى المكتسبات.
عندما جاء التعليم باعتباره الوسيلة لتحصيل المعرفة المؤهلة لكسب الرزق والحصول على العمل، فكان يستهدف في بداياته فئات الشعب المسحوقة من أجل الاستفادة من مهاراتهم المحددة في تشغيل الآلات والوقوف على خطوط الإنتاج في المصانع، وحسن استخدام الأدوات الزراعية في الأرض. أو إعدادهم كجنود عسكريين مؤهلين للدفاع عن المدن أو القيام بعمليات هجومية على المدن المجاورة.
كانت التربية « البيداغوجيا» تعتبر خاصة بالعبيد المسترقين، فهي علم العبيد، ولم يكن الأغنياء والأقوياء بحاجة لمثل تلك التربية، فهي في بداياتها كانت بمثابة رعاية المواشي والأغنام من حيث انتظامها في سيرها ومأكلها ومشربها ومنامها، إلى أن يتم ذبحها وأكلها، والتربية كانت رعاية للعبيد من أجل تسييرهم وانتظامهم والتزامهم بالأوامر والتعليمات الإذعانية.
لهذا مرّت عقود من الزمان في إنتاج وإعادة إنتاج ما سميّ حينها « التلمذة غير المفكّرة» وهو أسلوب يقوم على إعداد الأفراد وتأهيلهم مهارياً في بعض المهارات المطلوبة والمحددة لتأدية أعمال بعينها. ولم يكن مطلوباً تعليم العقول والإعلاء من شان التفكير، كان المطلوب مهارة استخدام الأيدي في العمل، ولم يكن مطلوباً استخدام الفكر أو العقل بالمطلق، لهذا استمرت عمليات التدريب عند مستوى التطبيق للمهارة ولم تتجاوزها حسب سلّم المستويات وهرم المعرفة إلى مستويات التحليل والتركيب والتقويم، فهذه شؤون عقلية وعمليات تفكير عليا لا حاجة للتلمذة غير المفكّرة بان تتقنها أو تتحصل عليها.
عودة لنخبوية الحياة، فعندما كانت الخيارات يقتحمها الشعبويون، كان دائما ثمة خيارات جديدة للفئات الاجتماعية الراقية، إنها القصة الخالدة للطبقية المجتمعية، عندما قامت الثورة الفرنسية الأولى ونشأت النقابات العمالية الداعية للدفاع عن حقوق العمال في تقاضي رواتب كافية وتأمينات اجتماعية وصحية ودوام محدد وتوفير السلامة والصحة المهنية وغيرها من الحقوق التي أضحت من البدهيات المسلّم بها في زماننا، لكنها في تلك العصور كانت تشكّل ثورةً جذرية على الطبقية الاجتماعية، ولأنه لا بد من توفير البدائل لمواجهة الصخب الشعبي، قام أصحاب العمل والملاّك بإنشاء الاتحادات والنقابات المهنية التي تبنت الدفاع عن أصحاب العمل وعن مهن خاصة راقية نخبوية، هنا كانت المواجهة المحتومة بين الطبقات الاجتماعية، لكنها مع نضج التجربة وامتدادها، فقد تكرسّت وترسخت كبنى اجتماعية معترف بها من الجميع، لكن بقي دوماً خيارات خاصة بطبقة الأغنياء والنخبة، حيث اعتادوا على ما تدعى بالمسارب والمسارات الخاصة ابتداءً من الروضة الخاصة، المدرسة الخاصة، النادي الخاص، التعليم الخاص، الوظيفة الخاصة، فكانت كلما تسرّب أبناء الطبقات الشعبية والفقيرة إلى أحد مساراتهم، يتخلون عنه باحثين عن مسارات بديلة لهم.
وللحديث تكملة.