الخواجا يكتب : تجميع الشتات وتشتيت المجموع (1)


عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

جمع الشتات وتشتيت المجموع، هذه هي حكاية القضية الفلسطينية، اليهود في كل العالم لا يتجاوز عديدهم 15 مليون يهودي، منهم فئات وشرائح ترفض إقامة دولة يهودية بالمطلق، منهم من يرفض العيش في الدولة الكيانية ويحمل جنسية وعادات الدول التي يتواجدون بها. هؤلاء يتم تجميعهم وإقناعهم أنهم أصحاب دين نخبوي وأصحاب قومية وجنسية وهوية وعرق أيضاً، بصرف النظر عن منبتهم وتواجدهم ولونهم ودين آبائهم باعتبار أن اليهودي في تعريفهم هو من ولدته أم يهودية ومهما كانت ديانة أو لا ديانة الأب.
هكذا تم تجميع الخزر والفلاشا واللاتينيين والعرب والأوروبيين واليهود الشرق أوروبيين والهنديين والفارسيين، بأنهم يهود صهيونيين حملة رسالة إلهية عنصرية تقوم على الوعد بالأرض المقدسة وأنها أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض.
فكان ان تم قتل وطرد وتهجير واقتلاع الفلسطينيين من ارضهم التاريخية لتحقيق نبوءات وبروتوكولات من يدعون بحكماء صهيون ورؤى هيرتزل ورفاقه.
لم تكن المسألة أو القضية اليهودية شأناً عربياً أو إسلامياً ذات تاريخ ما، فهي مسألة غربية أوروبية قامت عند بزوغ النزعات القومية الأوروبية، وحصلت على التأييد العظيم لها مع نشاة البروتستانت عندما كتب مارتن لوثر كتابه « عيسى ولد يهودياً» لتظهر حركة الصهيومسيحية التي آمنت بضرورة إقامة المملكة اليهودية وبناء الهيكل وانتظار الخلاص الأخروي.
ما بين أشكناز وسفارديم، بين الصابرا ويهود الدياسبورا أي يهود المنفى، بين الشتات والتيه، بين السبي البابلي الأول، وكورش الفارسي الذي أواهم من المنفى، بين العبرانيين الذي عبروا بعد التيه الأول، بين التوراة الشريعة المكتوبة، والتلمود الشريعة الشفهية، وبروتوكولات صهيون، بين التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية. بين ريشون لوسيون أول مستعمرة صهيونية وتعني عتبة الأمل التي كانت بداية الشتات الفلسطيني. بين الأرض الموعودة والهيكل المزعوم وجبل صهيون، أساطير توالدت وتراكمت لتأخذ شكلاً مقدساً يتم بموجبه إختلاق تاريخ وشعب وحق متخيّل وإرادة إلهية مزعومة.
لقد قسّم سايكس وبيكو العالم العربي بالقلم والمسطرة، وكانت النوايا تحتمل عديد من البدائل، منها التقسيم على أسسٍ قومية أو طائفية أو عرقية، كأن تكون هناك إمارات كردية وأمازيغية ومسيحية وعلوية ودرزية وقبطية وغيرها. لكن نتيجة المرحلة وسياقاتها وما تمخض من نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية، فقد تم رسم الدول دون اعتبار لمثل تلك الإثنيات.
الآن بعد قرنٍ من سايكس وبيكو، يعود الحديث لتقسيم المقسّم وتفتيت المفتت أصلاً، فإذا كان الحديث سابقاً عن بلاد المغرب العربي الكبير، بلاد حوض النيل، شبه الجزيرة العربية، بلاد الهلال الخصيب، شاهدنا إعادة رسم الخرائط على أسسٍ طائفية كأن يكون هناك دولة شيعية ودولة زيدية ودولة سنيّة ودولة مسيحية، ثم شاهدنا خرائط لدولٍ متناهية الصغر تقوم على العرق أو الطائفة مثلما حدث في السودان والصومال وليبيا ولبنان وسوريا الآن والعراق، وهذا يبدو تتويج الغايات الإستعمارية للإمبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية، حيث لا يمكن لدولة الاحتلال أن تتبوا المراتب الأولى في الحضارة والقوة والهيمنة وسط محيط عربي معادي لها، والحل أن يتم تجزئة هذا المحيط وتفتيته بحيث ينشغل بخلافاته وتناحره، مع ضمان تبعيته ومحدودية إمكاناته وموارده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى