الخواجا يكتب : الأزمة التعليمية والحلول الجزئية

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

ابتداءً أدرك حجم السهولة في التنظير لمن هو خارج مطبخ صناعة واتخاذ القرار التربوي، وأدرك حجم المشكلة التربوية بل المعضلة التعليمية المتفاقمة التي لم تستطع ذات يوم أن تحقق التوازن بين الكم والنوع في التعليم. ليس عن عدم رغبة، وإنما عن عدم إمكانية فعلية، في ظل زيادة متنامية بأعداد الطلبة، ناهيك عن تلك القفزات الفجائية في عديد الطلبة نتيجة تدفقات اللاجئين كما حدث مع الأهل في سوريا. وأدرك ان المعنيين يبدأون نهارهم التربوي كلّ يوم في عمليات إطفاء حريق أو توتر أو أزمة هنا وهناك، ولا توجد ثمة بارقة أمل لتنفيذ مخططات أو خطط استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، لقد أثقل كاهل المؤسسة التربوية في جملة اعتبارات خارجة عن رغبتها وعن إرادتها، وفي العمق من تلك الاعتبارات الكيفية لإدارة العمل التعليمي وتوزيع الموارد بكفاءة وعدالة وضمان جودة العمليات والمنتجات والمخرجات التربوية وتوفير المواد والتجهيزات والأدوات التعليمية، وتحسس المرافق المصاحبة وفي المقدمة منها المرافق العامة والصحية بشكل خاص.

تبدو ثمة معضلة كبرى تشغل بال القادة التربويين والتي تتمثل في عنق الزجاجة المسمى بامتحان الثانوية العامة، فالمؤسسة التعليمية مطالبة بإدارة وتوزيع الطلبة ضمن مسارب تعليمية تعمل على فلترة وضبط الأعداد الملتحقة بالمسارات بهدف خفض الضغط على التخصصات الراكدة والمشبعة وذات الطلب النادر في سوق العمل. نعم لم يعد دور التربية والتعليم مقصوراً على تقديم التعليم، بل أصبح مناطاً بها أن تتولى زمام مساحات من السلم المجتمعي والموائمة بين الملتحقين على مقاعد الدراسة وبين متطلبات وظروف وإمكانات سوق العمل والفرص المتاحة فيه.

وحيث أن كل جهة مانحة لديها اشتراطاتها واعتباراتها الملزمة والمرتبطة بتقديم المنح على أن يتم تنفيذ متطلبات محددة من الطرف المتلقي للمنحة. هذا رتّب على كثيرٍ من المؤسسات أن تعيد كل فترةٍ برمجة وتهيئة وتعديل السياقات التي تعمل عليها، لكن مع كثرة تلك التعديلات، فقد تشوّهت ملامح العمل والفعل التعليمي الذي تكاد أطره الأساسية تتلاشى وتحلّ محلها مجموعة من المبادرات المشروطة، مما ساهم في إرباك انسيابية العمليات التعليمية برمّتها.

عودة لامتحان الثانوية العامة، هذا الامتحان الذي يعتبر السبب الرئيس في توتر جماعي لدى الأسرة الأردنية، فهو ومنذ عقود أصبح بمثابة المخرج الوحيد للحياة، ولم يعد مستغرباً فرض حالة الطوارئ في بيوتنا بذريعة أن لدينا طالب ثانوية، وتواصلت الاجتهادات أكثر من كونها مبنية على خطط ومنهجيات، من أجل خفض التوتر، بالرغم من أنه وعبر السنوات بقيت نسب النجاح والرسوب متقاربة، فيما جاءت بعض السنوات متشددة في المعدلات المرتفعة، وفي غيرها كانت متساهلة إلى درجة أن رأينا 3000 طالب من الحاصلين على معدلات فوق الـ 95%. وتوالت الأفكار والاقتراحات في كيفية التعامل مع توزيع طلبة المرحلة الإلزامية على المسارب الأكاديمية والمهنية، وكيفية توزيع الطلبة ونسب النجاح والرسوب في امتحان الثانوية، وكيفية التعامل مع الراسبين ومنحهم حق الإعادة لمرة او لمرتين أو لعديد من المرّات. إلى أن وصلنا الآن لتجزئة امتحان الثانوية على مدار السنتين الدراسيتين، وأعطاء وزن 30% من العلامات للسنة الأولى، ووزن 70% للسنة الثانية، وهذه لوحدها تعتبر أولى المثالب، فكيف تم اعتبار الجهد التعليمي للطالب لسنةٍ كاملةٍ أنه يستحق 30% فقط. لقد أصبح العبء على الأسرة الذي كان مرةً واحدة، أنه تضاعف إلى مرتين، وأن الكلف المترتبة على الأسرة أيضاً تضاعفت، وأن حجم التوتر تضاعف، وشاهدنا كيف تم التعامل مع نتائج السنة الأولى ذات الـ 30% تماماً كما هو الحال مع من أنهى الثانوية العامة. نتابع في المقال القادم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى