الدعجه يكتب : الأردن لن يكون مأوى لحماس

عمان بوست – بقلم الكاتب والمحلل الامني د. بشير الدعجه
ترددت أنباء لا نعرف مدى صحتها حول مقترح استضافة قيادات حركة حماس في الأردن… قد تكون حقيقة أو مجرد إشاعة تم تسريبها لاختبار ردود الفعل…قد تكون هذه أنباء صحيحة أو مجرد إشاعة تروّج لها أطراف تسعى لخلخلة المشهد… ومع ذلك… سواء كانت المعلومات مؤكدة أم لا، فالمُعطيات الأمنية والاستراتيجية تجعل من أي حديث عن مثل هذا الخيار مصدر قلق بالغ وموضوعًا يستوجب موقفًا وطنياً حازماً… ومجرد تداول هذه الفكرة يكشف محاولات مكشوفة لتوريط المملكة في صراعات لا تخصها وتحويلها إلى منصة لمشاريع إقليمية قذرة تستهدف استقرارها وسلطتها وسيادتها..
الأردن ليس بلداً هامشياً يمكن أن يُستدرج بسهولة… نحن نتحدث عن دولة دفعت ثمناً باهظاً عبر عقود طويلة للحفاظ على استقرارها الداخلي وسط محيط ملتهب… وهي اليوم تنفق أكثر من 20% من موازنتها على الأمن والدفاع لحماية حدود تتجاوز 1600 كيلومتر مع دول مضطربة… بلد واجه الإرهاب والتطرف وعرف كيف يقاتل ويحمي حدوده ومواطنيه… فهل من المنطقي أن يحمّل نفسه عبئاً إضافياً عبر فتح ملف جديد قد يحوله إلى هدف مباشر للنيران السياسية أو العسكرية؟
استضافة أي قيادات ذات امتداد إقليمي ليست خطوة بريئة… إنها مغامرة انتحارية بكل المقاييس… لأنها ستخلق انقساماً داخلياً واستقطاباً فكرياً خطيراً في مجتمع متماسك عرف التوازن عبر عقود… لأنها ستمنح إسرائيل الذريعة لتشويه صورة الأردن أمام العالم واتهامه باحتضان الإرهاب… لأنها ستضعف اقتصاداً يعتمد على الاستقرار… فيما يُدخل قطاع السياحة وحده أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً… وأي صورة للأردن كملاذ لتنظيمات مسلحة ستقوض هذه المكتسبات الاقتصادية وتشجع المستثمرين على الانسحاب…
الأردن يواجه تحديات أمنية كبيرة على حدوده الشمالية والشرقية مع محاولات التهريب والتسلل المستمرة… ويخصص ميزانيات ضخمة لتطوير قدراته الأمنية لمواجهة الطائرات المسيّرة والتهديدات العابرة للحدود… وأي استضافة ستضيف عبئاً استثنائياً على الأجهزة الأمنية وتستنزف الموارد… وهو ما قد يؤدي إلى تشتيت الجهود عن حماية أمن المواطنين وحفظ الاستقرار الداخلي..
التحديات الداخلية للمملكة اليوم أكثر تعقيداً مما يراه البعض… التحدي الأمني مستمر ويشمل مراقبة الحدود ومنع أي محاولات تسلل أو تهريب… التحدي السياسي قائم على الحفاظ على توازن المؤسسات وارتباطاتها الدولية والمحلية… التحدي الاقتصادي صعب ومتنوع إذ تجاوزت نسبة البطالة 21% وارتفعت المديونية إلى أكثر من 115% من الناتج المحلي الإجمالي… والتحدي الاجتماعي يرتبط بارتفاع تكاليف المعيشة وتطلعات الشباب لفرص عمل مستقرة… والتحدي السياحي يعتمد على صورة الأردن كوجهة آمنة ومستقرة للاستثمار والسياحة… أي اختراق أو اضطراب داخلي سيؤثر مباشرة على كل هذه المجالات… ويفتح المجال لتداعيات غير متوقعة قد تمتد لعقود طويلة…
إسرائيل تبحث عن ذرائع… هي التي لطالما حاولت تصوير الأردن كبلد بديل لاستضافة تنظيمات مصنفة… وهي اليوم تسعى لتوريط المملكة في لعبة سياسية قذرة… فإذا تم قبول مثل هذه الطروحات… فسيصبح الأردن متهماً دولياً بالإيواء… وسيُستغل ذلك لتبرير حملات إعلامية وسياسية وربما عدوانية… هذه استراتيجية معروفة عبر التاريخ الإقليمي… حيث تُستغل أوراق الضعف لدى الدول لتحقيق أهداف توسعية..
التجربة التاريخية الأردنية تظهر أن أي محاولة لخلق بؤر فوضى داخل المملكة تُقابل بحزم ووعي كامل… استضافة شخصيات سياسية أو عسكرية من الخارج ستفتح الباب أمام انقسام داخلي… وستوفر بيئة خصبة للاختراقات والتجنيد والتحريض… الأردن ليس بحاجة إلى أعداء داخليين جدد… فهو يواجه أصلاً تحديات اقتصادية خانقة وبطالة متزايدة وديون مرتفعة… فكيف إذا أضيف ملف جديد مفتوح على كل الاحتمالات؟
جلالة الملك عبدالله الثاني كان واضحاً في أكثر من مناسبة: الأردن لن يكون أرضاً لتصفية حسابات الآخرين… ولن يسمح بأن تُفرض عليه حلول خارجية على حساب سيادته وأمنه… في خطابه أمام الكونغرس الأميركي أكد جلالته أن “الأردن لن يقبل أن يُستخدم كأرض بديلة أو كجسر لسياسات غير عادلة”… وهذه المواقف ليست تصريحات عابرة، بل تعكس عقيدة وطنية راسخة تتجسد في سياسات الدولة على الأرض..
من يعتقد أن الأردن يمكن أن يُستدرج أو يُستغل كورقة في صراعات الآخرين واهم… المملكة عصية على الترويض… قيادتها وشعبها وجيشها وأجهزتها الأمنية يقفون صفاً واحداً… أي محاولة لتحويل الأردن إلى مخزن للمشاريع القذرة ستصطدم بحائط صلب من الرفض… وسيادة الأردن خط أحمر لا يمكن تجاوزه..
الأردن أثبت أنه قادر على حماية أمنه الداخلي واستقراره الخارجي في أصعب الظروف… واجه الإرهاب والتطرف والعابثين بالأمن الإقليمي بعقلانية وحزم… وقام بإدارة التوازن الإقليمي بحنكة جعلت منه وسيطاً محترماً على الصعيد الدولي… الاستسلام لمثل هذه الطروحات أو القبول بها هو فكرة مستحيلة… الأردن أكبر من أن يُبتز… وأقوى من أن يُستدرج… وأذكى من أن يكون ساحة لتصفية الحسابات..
سواء صح الخبر أو لم يصح، فإن الموقف يجب أن يكون صارماً وواضحاً: الأردن لن يكون مخزناً للمشاريع القذرة… ولن يسمح لأحد باستخدام أرضه لتبرير العدوان أو الفوضى… وسيبقى حارساً لسيادته… متمسكاً باستقراره… عصياً على التوريط… وأمنه خط أحمر لا يمكن تجاوزه… وللحديث بقية..