الخواجا يكتب : جفاف دجلة والفرات

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

يبدو قدر المنطقة العربية أن تكون ممراً وليست مصدراً للمياه، فالخليج يعتمد على تحلية مياه البحر في استهلاكاته المنزلية والزراعية والصناعية، وبلاد الشام والعراق ومصر والسودان باستثناء لبنان تعاني من تحكّم خارجي في مواردها المائية، إن فكرة إقامة السدود المائية كحواجز ومصدات لمياه الأنهار الجارية المتدفقة بقوة وجريان طبيعي يخترق السهول والأودية، هي نوع من التلاعب في الطبيعة والجغرافيا، وترتب عنها تجريف التربة وتغيير في خصائصها، مع تحكّم بحجم التدفقات وكميات المياه، إلى أن أصبحت دولاً عديدة تعاني من نقصٍ شديد في تلبية المطالب المائية لمواطنيها. وتبعاً للأعراف الدولية والقوانين الناظمة للمياه الدولية والأنهار والبحيرات عابرة الدول، فهناك دول المصدر ودول العبور ودول المصّب، وهناك دول تجري فيها الأنهار لمسافاتٍ طويلة ممتدة، لكنها لا تتحكم في المنبع والمصدر للنهر كما هو الحال مع نهري الفرات ودجلة ونهر النيل.
هل يحق لدولة النبع التحكّم في منسوب وكميات المياه المتدفقة الى الدول التي يمر النهر بها بحيث تكاد تصل إلى الجفاف كما هو حال دجلة الآن. كيف تتم إدارة المياه الدولية؟ هل تعتبر مورداً خاصاً بالدولة المصدر كما هو حال النفط في الدول المصدرة له، حتى سمعنا أن تركيا ستقايض الماء بالنفط مع العراق.
كانت اتفاقية لشبونة عام 1912 أولى الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استخدام الأنهار الدولية لأغراض الملاحة الدولية، لكن لم توجد حتى الأن اتفاقيات لتنظيم الإستغلال والكميات المتدفقة من الأنهار الدولية بين الدول المار بها. وكثيراً من الحالات يتم التعامل معها على أساس التواتر والعادة بحيث تصبح ملزمة للأطراف المعنية. ولا تتعدى استغلال المياه عن إصدار بيان مشترك أو تصريح أو تبادل مذكرات، فلا يوجد أي اتفاق لتوزيع المياه لأنهار دجلة والفرات وروافدها في سوريا وإيران، ونهر الأردن واليرموك، ونهر النيل وروافده، ونهر العاصي وبحيرة طبريا، إن تركيا وأثيوبيا ترى أن مياه الأنهار الدولية أي دجلة والفرات والنيل، هي مياه وطنية حتى آخر نقطة عند الحدود مع الدول المجاورة.
تعد منطقة الوطن العربي من أكثر مناطق العالم فقراً للمياه مع هيمنة المناخ الصحراوي، وتبلغ حصة الفرد الواحد من المياه العذبة نحو 500 متر مكعب حسب احصائيات سنة 2011، ويتوقع تراجع الحصص إلى 250 متر مكعب سنوياً في عام 2050. يمتلك الوطن العربي 7% من مخزون المياه العذبة العالمي، وأقل من 1% نسبة المياه الجارية السطحية، فيما تبلغ نسبة تساقط الأمطار أقل من 2% من المجموع التراكمي العالمي، والكارثة الكبرى أن نحو 60% من المياه الجارية هي عابرة للحدود الدولية وتنبع من أماكن خارج الوطن العربي. هناك أكثر من خمسين نهراً يمكن أن يطلق عليها صفة الأنهار الدولية العابرة في الوطن العربي.
بدأت تظهر آثار الاحتكار لمياه الأنهار بجفاف نهري دجلة والفرات في أوقات الصيف الحارة، وأيضاً في تناقص منسوب المياه في البحر الميت واقتراب وصوله إلى الجفاف كما حدث مع بحر أورال أيام الإتحاد السوفييتي والواقع بين أوزبكستان وروسيا. حتى نهر الأردن فقد أصبح عرضةً للجفاف نتيجة حصر مياهه في بحيرة طبريا. وصولاً إلى نهر النيل شريان الحياة لمصر ذات المائة وعشرون مليون نسمة. وللسودان أيضاً، بعد إنشاء أثيوبيا أكبر سدٍّ ” النهضة” أو حسب التسمية الرسمية له ” سد النهضة الإثيوبي العظيم” في إفريقيا. حيث افتتح رسميا قبل أيام. وبلغت مساحة البحيرة للسد 1875 كم مربع، وسعته التخزينية تصل إلى 74 مليار متر مكعب، ما يعادل التدفق السنوي للنيل الأزرق. فيما قامت تركيا ببناء سد أتاتورك على مجرى نهر الفرات الرئيسي، ليصبح رابع أكبر سد في العالم بطاقة استيعابية تصل إلى 48 مليار متر مكعب، فيما تغطي بحيرة السّد مساحة 817 كم مربع. وللمقارنة فإن سعة التخزين الكلية للسد العالي تبلغ 162 مليار متر مكعب، و سعة التخزين الميت 32 مليار متر مكعب ” كمية المياه التي لا يمكن نقلها من خلال فتحات السد العالي، حيث تقع هذه الكمية أسفل منسوب فتحات جسم السد”. عمقها 180 متر، وجاءت اتفاقية تقاسم مياه النيلعام 1959 بين مصر والسودان، لتحتفظ مصر بحصّة قدرها 48 مليار متر مكعبن فيما كانت حصّة السودان 8 مليارات سنوياً. يبدو أن قدر الوطن العربي أن يظل بؤرة توتر دائمة وقابلة للإشتعال، ليس فقط لموقعه الإستراتيجي، ولا فقط لموارده وثرواته المعدنية، ولا فقط لتاريخ المنطقة باعتبارها مهداً للأديان والحضارات، بل إن الحروب القادمة ستكون حروب على المياه بالدرجة الأولى.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى