الخواجا يكتب : كيف يتم الإبتزاز وافتعال الحوادث المرورية

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

كنت في صالون الحلاقة وأجلس على الرصيف أتأمل المارة والمركبات العابرة، ربع ساعة كانت كافية وبدون مبالغة لكي أشاهد عشرات المخالفات المرورية الكارثية التي تتراوح ما بين التجاوز الخاطئ، والاصطفاف الممنوع، والوقوف على مسرب الطريق، والوقوف المزدوج، وعدم إعطاء الأولوية، ناهيك عن الزوامير التي لا تنقطع طيلة الوقت ودون أدنى سببٍ وجيه، إضافة لكميات من الشتائم أهونها ” يا حمار”. كانت الساعة الثامنة مساءً، وكانت المركبات بكل تلك الفوضى إلا أنها تسير في انسيابية جيدة وحركة مرور يسيرة، ظهر أمامي مركبة كبيرة محملة بمواد البناء من الرمل أو الحجارة المغطاة، ليبدأ إطلاق زوامير بصوتٍ مرتفعٍ جداً، فانتبهت حيث كانت سيارة صغيرة أتت من شارعٍ فرعي يريد أن يسبق المركبة الثقيلة ويتجاوزها، لكن سائق الشاحنة يريد إكمال السير خشيةً من التوقّف الذييعتبر مزعجاً ومؤلماً له ولمركبته المحملة بأطنان من مواد البناء. إضافة إلى أن الأولوية له، فهو يسير على الشارع الرئيسي وفي مسربه، لكن سائق السيارة الصغيرة أصرّ على الدخول للشارع الرئيسي، ولم يتمكن سائق الشاحنة من تفاديه تماماً، فتم اصطدام خفيف جداً بينهما، لكن دهاءسائق السيارة الصغيرة جعله يسبق الشاحنة مما أدى أن تكون الضربة من الخلف. نهضت متجهاً إلى مكان الحادث القريب من مكان جلوسي، نظرت لموقع الإصابة، كانت بسيطة للغاية ومجرد تأثير على الدهان الذي يمكن أن يعود لطبيعته بغسيل ببعض الماء والصابون فقط. كانت أصوات السائقين تملأ الشارع، بدأ الشارع يزدحم بالمركبات وإعاقة حركة المرور، لم يتم تحريك المركبتين من مكانهما وسط الشارع. الصراخ يعلو، حاولت أن أتدخل وأن يتم التصالح بسبب عدم وجود ما يستدعي لفتح تحقيق مروري. لكن سائق السيارة الصغيرة واصل الصراخ، وحضر شخص مؤيد له ظهر فيما بعد أنه شقيقه الذي بادر بالاتصال بالدفاع المدني وهو يقول ” هناك حادث مروري مع إصابات”، طبعاً كانت هذه الجملة كافية لتطبيق الإجراءات ضمن بروتوكول خاص بالدفاع المدني، فما هي إلا لحظات حتى حضرت سيارات شرطة السير لتفتح الطريق وتعيد الحركة المرورية لانسيابيتها، لتجيءسيارة إطفاء وسيارة إسعاف طوارئ وسيارة ثالثة للدعم والإسناد. أي أصبح منشغلاً بالحادثة عشرات من أفراد وضباط السير والدفاع المدني في حادثٍ لا يستدعي أكثر من كوب ماء وبعض الصابون تزيل آثار الضربة عن المركبة الصغيرة، وينتهي الأمر كله.
لم تجد محاولات أياً من المتدخلين لإنهاء الأمر، لا بل سمعت شقيقه وهو يقول له: أنت مصاب ويجب أن تذهب للمستشفى. طبعاً طيلة وقت الحادث كان السائقين يتجادلان في وسط الشارع، ولم يكن هناك أي أثر لأية إصابة عليهما.
أصابني فضول لأعرف حقيقة ما يجري، فإذا بأحدهم يعرف السائق وهو جار له حيث قال: هذه عادتهم في افتعال الحوادث، الآن سيحاول الحصول على كروكي بالحادث من أجل تحصيل مبلغ محترم من التأمين، ويمكن أيضاً أن يستحصل على تقرير طبّي ويتحول الأمر إلى مطالبة عشائرية. نظرت بحيرة وأنا أقول: يا رجل لا يوجد حادث من أصله، ولو افترضنا وجود حادث، فالمتسبب هو سائق السيارة الصغيرة الذي أصرّ على ان يسبق ويتجاوز المركبة المحملة الثقيلة. أجابنيك أنت طيّب، الآن إذا كان تأمينه شاملاً سوف يحصل على آلاف الدنانير بحجّة فقدان القيمة وغيرها. ويمكن أيضاً تحويلها عشائرياً على أمل تحصيل مبالغ أخرى. نظرت لسائق الشاحنة المسكين الذي أصبح في حيرةٍ من أمره، فهو إذا كانت الكروكي تدينه، فهذا يعني تحرير مخالفتين له إحداهما السير داخل المدن خارج الوقت المسموح، ومخالفة الحادث، مع زيادة في قيمة التأمين وفي دفع مبلغ مقطوع أيضاً. أي أنه سيتكبد مبلغاً يتطلب منه العمل عدة ايام لتغطيته. حادث مفتعل بالكامل، لكن لا يمكن إثبات ذلك حسب القانون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى