العابودي يكتب : ليس تطبيعًا ولا اصطفافًا.. هذا هو موقف الأردن الحقيقي

عمان بوست – بقلم د. ايهاب العابودي
في عالمٍ تتغير فيه الموازين بسرعة، وتتشابك فيه المصالح والتحالفات، يبقى الأردن ثابتًا في موقعه، واضحًا في مواقفه، صادقًا مع نفسه ومع أمّته.

فمنذ تأسيس الدولة الأردنية، التزمت المملكة بسياسةٍ قوامها الاستقلال في القرار، والاعتدال في الموقف، والوفاء للثوابت القومية التي لا تتبدّل بتبدّل العواصف السياسية.
فلسطين ستبقى بوصلة الموقف الأردني، فلم تكن القضية الفلسطينية بالنسبة للأردن مجرّد ملفٍ سياسي، بل قضية وطنية وإنسانية وأخلاقية تمسّ وجدان كل أردني.

فالأردن، قيادةً وشعبًا، يؤمن بأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني، ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هو استحقاقٌ تاريخي وعدالةٌ إنسانية، لا خيارٌ سياسي.
وقد ظلّ الأردن، رغم ضغوط الواقع الإقليمي والدولي، الصوتَ الأكثر ثباتًا واتزانًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وحاميًا للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من خلال الوصاية الهاشمية التاريخية التي تمثل شرفًا ومسؤولية لا يتنازل عنها.
إن انضمام الأردن إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتعاون مع الشركاء، بمن فيهم القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، يأتي ضمن ترتيباتٍ أمنيةٍ إقليميةٍ أوسع تشارك فيها عشرات الدول، وهدفها تعزيز التنسيق الدفاعي، ومكافحة الإرهاب، وحماية الاستقرار الإقليمي.

ذلك الإرهاب الذي كان الأردن والأردنيون من أوائل ضحاياه.
لكن من الخطأ النظر إلى هذا الانضمام كتحالفٍ سياسي أو تطبيعي، فالأردن يشارك بحدودٍ واضحة لا تمسّ قراره السيادي أو مواقفه المبدئية.

ومنذ عام 2021، وبعد نقل إسرائيل إلى نطاق القيادة المركزية، واصل الأردن دوره ضمن هذه المنظومة العسكرية الدولية، مع الحفاظ التام على استقلاله في قراراته والتزامه الدائم بدعم القضايا العربية العادلة.
ورغم التعاون مع مختلف الدول المعنية بالحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي، فقد واصل الأردن موقفه الثابت والتزامه الدائم بدعم القضايا العربية العادلة.

فالمشاركة في أي إطارٍ أمني لا تُلغي المبدأ الأردني الأصيل: أن فلسطين هي القضية المركزية الأولى، وأن السلام لا يكون على حساب العدل والكرامة.

يؤمن الأردن بالسلام كخيارٍ استراتيجيٍّ وركيزةٍ للاستقرار، لكنه لا يرى في السلام ضعفًا، ولا في الصمت استسلامًا.
وفي الوقت ذاته، يبقى المدافع عن وطنه وقضايا أمّته العادلة إن فُرض عليه الصراع.

إن الجيش العربي، بقيادته الهاشمية، يُجسّد هذه المعادلة الدقيقة بين السلام والجاهزية، فالأردن دولةٌ تؤمن أن الكرامة لا تُشترى، والسيادة لا تُمنح، بل تُصان بالموقف والمبدأ والإرادة.

و إلى من يظنّ أن الأردن قد يبدّل مواقفه أو يُغيّر ثوابته، نقول: الأردن لا يتغيّر، بل يزداد ثباتًا كلما اشتدّت العواصف.
مواقفه ليست رهينةَ ظرفٍ سياسيٍّ أو تحالفٍ عابر، بل هي نتاجُ تاريخٍ من المبدئية، وشعبٍ يرى في فلسطين قضيته، وفي القدس شرفه، وفي الكرامة خطًّا لا يُمسّ.

الأردن لا يُملى عليه أحد؛ فهو يعرف متى يصمت بحكمة، ومتى يتكلّم بصدق، ومتى يتحرّك بكرامة.

وإذا كان السلام خياره، فإن العدل شرطه، وإن فُرضت الحرب، فإن الجيش العربي سيبقى كما كان: سيف الوطن ودرع الأمة.
و في زمنٍ تتكاثر فيه التحالفات وتتبدّل فيه الولاءات، يبقى الأردن حالةً فريدةً في ثباته، وفي تمسّكه بدوره كجسرٍ بين الشرق والغرب، وكصوتٍ للسلام العادل لا للسلام المفروض.

هو دولةُ مبدأٍ لا تتنازل عن حق، ودولةُ كرامةٍ لا تخضع لإملاء، ودولةُ موقفٍ لا تتغيّر بتغيّر المصالح.
لقد كان وسيبقى الأردن الضميرَ العربيَّ الحيَّ الذي يذكّر العالم بأن العدالة هي الطريق الوحيد إلى سلامٍ حقيقيٍّ دائم، وأن فلسطين كانت وستبقى البوصلة التي لا يحيد عنها من عرف معنى الشرف والسيادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى