الخواجا يكتب : الارتجال في التصريحات الحكومية

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
قالها أرسطو ذات مجد تاريخي: تكلم حت أراك، وقصد بذلك أن لا تحكم عل المرءإلا بعد أن تستمع لمنطقه وعمق أو ضحالة تفكيره، وحصافة أو رداءة تعبيراته. حينها يمكنك أن تحكم عليه بالحكمة أو السفه.
كذلك دائماً كنت أقول أن يتم تزويد ممن يسمون بالمسؤولين دورات تدريب وتأهيل في كيفية الظهور والتصريحات الاعلامية. فلا يجوز بحالٍ من الأحوال الارتجال فيما يقال وما لا يقال. لأنه يمثّل الحكومة في موقعه، لا مجال لتجاوز ذلك واعتبار ما يصرّح به رأياً شخصياً.
أولاً : نظرية انقراض ” البسس”:
خرج علينا وزير الإدارة المحلية المهندس وليد المصري يحدثنا بألفاظٍ شعبوية عن أن الحارات أصبحت خالية من ” البسس” والدجاج بسبب قضاء الكلاب الضالّة عليها. ولا أدري كيف لوزير أن يتحدث بألفاظ دارجة لا ترتقي لمستو أن تكون صالحة كخطاب رسمي. ويبدو أن للوزير تجربة شخصية في المعاناة مع الكلاب الضالة المتواجدة في محيط سكنه، مما جعله ممن يتبنون فكرة التخلّص من الكلاب الضالّة. وهنا يجيء السؤال: هل يحق للمسؤول أن يعلن موقفاً شخصياً مخالفاً لتوجهات الحكومة التي ينضوي تحت لوائها وتوجهاتها. وهل يعقل أن يستخدم المسؤول في تصريحات رسمية ألفاظاً مثل كلمة ” البسس”.
ثانياً: نظرية فرصة للجيل القادم للتعيين في القطاع العام:
خرج علينا السيد رئيس هيئة الخدمة المدنية التي هدمها من جذورها في تصريحاته المحبطة المتشائمة الكارثية. وأعتذر عن عدم معرفتي وعدم رغبتي بإسمه.
كيف تقبل الحكومة من مسؤول بزعم الشفافية أن يعلن موت فكرة التعيين في الخدمة والقطاع العام، وأن أي خرّيج جامعي يريد الوظيفة، عليه الانتظار لمدة عقود بحيث يكون قد وصل عمره لخمسة وسبعون عاماً. كأنه إعلان رسمي بوفاة الخدمة المدنية العامة، فيما التجربة الجديدة القائمة عل منح الصلاحيات في التعيين للوزارات والمؤسسات تشير لكثيرٍ من التشوهات والشبهات المستندة للعلاقات والمحسوبيات والواسطات، هناك كثيراً من التعيينات في مختلف الهيئات والمؤسسات والدوائر تتم بالإعلان عنها، ويكون التقدّم لها عبر معايير واشتراطات، هي في حقيقتها تهدف لتقييد وتضييق الخيارات والبدائل أمام من يمكنهم التقدّم لها. هناك كثيراً من التعيينات تمت بشكل جهوي واضح مستند لمعطياتٍ علائقية.
كيف يمكن لرئيس الحكومة قبول مثل هذه التصريحات التي قد ينتج عنها توترات وقلاقل عند الشباب العاطل عن العمل وعن الأمل، بأن يطلب منهم عدم التقدّم للوظائف في القطاع العام، فيما شواهد تدلل بوجود مواقع خاصة ومسارات خاصة ورواتب خاصة تستحدث بين عشيةٍ وضحاها، تكون مفصّلة لمقاساتٍ محددةٍ لأفرادٍ بعينهم.
ما الرسالة التي أراد رئيس هيئة الخدمة المدنية إيصالها بإعلان عدم إمكانية تحصيل وظيفة لأي خرّيج جديد. ما الرسالة التي يمكن للطلبة الدارسين في مختلف الجامعات والكليات والتخصصات أن ينتظروا بعد هذا التصريح الغريب. هل يحق أن تعلن الحكومة عن عجزها في توفير العمل، في إيجاد وتوليد فرص العمل. في إغلاق القطاع العام. في دعوة الشباب للإكتئاب.
نبارك لرئيس الحكومة بمثل هؤلاء المسؤولين الذين ينشرون الفرح والسعادة والأمل ويجعلون الشباب متشبثين في الوطن كبوابات للحياة الجمل التي وعدنا بها رئيس حكومة سابق.