عثامنه يكتب : بين سمّ الأفاعي وسمّ الخطاب: حين تُستهدف الدولة من نوافذ الخوف والخرافة؟

عمان بوست – بقلم م. صفوان عثامنه
في مشهد يتكرر مع كل صيف، تعود بعض الصفحات والمنصات المعروفة بعدائها العلني للدولة، لتبث الذعر والتشكيك من خلال قصص لا تستند إلى علم، ولا إلى عقل، بل إلى خيال موجه يلبس ثوب “الخبرة”. آخر هذه “الحكايات”، خبر تداولته وسائل التواصل عن “خبير بالأفاعي” انّ ثلاثة أفراد من عائلة واحدة تعرضوا للدغ أفعى “بلا عيون”!
إنها رواية تفتقر لأي توثيق علمي أو تأكيد رسمي، وتعيد إنتاج الخرافة كبديل عن الحقيقة. فالأفعى، حتى في حال ضعف بصرها أو انعدامه، تعتمد على حاسة الشم المتطورة والتحسس باللسان، إضافة إلى استشعار الذبذبات، لكنها لا تصبح “كائنًا خارقًا” يلدغ ثلاث مرات متتالية، بشكل خارق. أما أن تُقدَّم هذه الرواية بهذا الشكل الفج، ويُفتح المجال التعليقات المذعورة لتغرق الناس في رعب من نوع “هذا سحر” أو “نهاية العالم تقترب”، فهذا ليس بريئًا ولا عشوائيًا!
نفس هذه المنصات، تحت شعارات مضللة وتحريضية، شنت حملة تشويه ضد حملة لتطعيم الأطفال بزعم “الضرر”، فتم التراجع عنها تحت وقع التحريض والضغط الشعبي المُضلَّل، الذي قاده “خبراء” مجهولو السند والاختصاص.
وبعدها، ومع تفاقم قضية الكلاب الضالة، شنّوا حملة بكاء جماعي على الأطفال المصابين، ثم رفضوا القنص والتسميم بوصفه “انتهاكًا للرحمة”، وتغافلوا عن أن الدولة ذاتها، وبتوجيهات رسمية، منعت القنص، وشجعت البلديات على تبني حلول علمية (مثل التعقيم والتطعيم) دون أن تستجيب أي بلدية نتيجة غياب التمويل والخبرة. لكن إن عادت الدولة مضطرة لاستخدام القنص لحماية الناس، فهؤلاء ذاتهم سيرفعون التقارير إلى الجهات الدولية المانحة عن “وحشية” الحكومة!
هكذا يتم استغلال كل فجوة وكل أزمة، ولو كانت طبيعية، لضرب الثقة بمؤسسات الدولة. بين أفعى بلا عيون، وكلب ضال، وخبير طقس وهمي، وخبير طاقة مزعوم، ومطعوم مشكوك فيه، يدور خطابهم التحريضي. هدفه دائمًا واضح: تسخيف الدولة والطعن في قراراتها، تجريم القرار العلمي، صناعة حالة فوضى وجدلية تفتك برباطة الجأش العام، وتُحاصر المسؤول حتى لا يجرؤ على اتخاذ قرار صائب.
فإلى متى نبقى رهائن لهذا الابتزاز؟ إلى متى نسمح لهواة الرعب وخبراء الفتنة بأن يُخضعوا الدولة لإملاءات الفوضى؟
لقد آن الأوان لكشف هذا الخطاب، وفضح منابعه، وتحميل المسؤولية لمن يساهم في تضليل الناس وتحطيم ثقتهم بالدولة. فالوطن لا يُبنى بالهلع، والقرارات لا تتخذ بالغريزة عوضا عن العلم والمنطق، ولا تُحمى المجتمعات بالشائعات، ولا يُصان الأمن بالتراجع أمام غوغاء تقودها خوارزميات ممولة، وأجندات مأجورة.
فلننتبه: التخويف صناعة… والجهل مشروع!