الحسين الباني: عشت ملك القلوب ورحلت مالكًا للقلوب
عمان بوست – تمر الذكرى الـ 89 لميلاد المغفور له، بإذن الله، جلالة الملك الحسين بن طلال، الذي عاشت الأمة الأردنية والعربية والعالمية بأسرها في ظل حكمه العظيم. أصبح رمزًا من رموز العزة والتقدم، وتجسيدًا لروح القيادة الحكيمة التي حفرت اسمها في قلوب الملايين. ملكٌ وُلِد في مثل هذا اليوم، 14 تشرين الثاني 1935، ليعيش حياة حافلة بالعطاء والنضال، ويرحل في السابع من شباط 1999 تاركًا خلفه إرثًا تاريخيًا مفعمًا بالإنجازات والمواقف التي لن تُنسى أبدًا.
من ملك القلوب إلى مالكها
يُعتبر الملك الحسين بن طلال من أبرز القادة الذين مروا على تاريخ الأردن والأمة العربية. فقد عاش ملكًا لقلوب شعبه، وتربّع على عرش محبتهم، حتى أصبح جزءًا من هويتهم الوطنية والقومية. ارتبط اسمه منذ بداية حكمه بالإصلاحات الكبيرة والقرارات الشجاعة التي عملت على تحديث المملكة الأردنية الهاشمية في مختلف المجالات. لكن حب الشعب له لم يكن مجرد نتيجة لقراراته الحكيمة، بل لروح القيادة العميقة التي تجسدت في تواضعه وحكمته واهتمامه بكل مواطن أردني. من هنا كانت ملكية الحسين بن طلال ليست مجرد منصب ملكي، بل كانت علاقة فريدة بين الحاكم والشعب.
نشأ الملك الحسين في كنف أسرة هاشمية عريقة، وكان يتمتع بمواهب وقدرات استثنائية. بالرغم من الظروف السياسية الصعبة في المنطقة، كان دائمًا يسعى لتحقيق استقرار بلاده، مع الحفاظ على مكانتها ودورها البارز في القضايا العربية. هذا الحرص لم يكن مجرد رغبة في التأثير السياسي، بل كان تجسيدًا لعلاقة وثيقة مع شعبه.
نهضة الأردن في عهد الحسين
كان الحسين بن طلال مهندسًا حقيقيًا لنهضة الأردن الحديثة. بدأ بتعريب قيادة الجيش الأردني، مما أضاف قيمة معنوية ووطنية في نفوس الأردنيين، وأعطاهم قوة القيادة المستقلة بعيدًا عن النفوذ الخارجي. كما قام بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في العام 1957، ليؤكد بذلك سيادة الأردن الكاملة على أراضيه.
على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، شهدت المملكة في عهده تطورًا غير مسبوق. حيث عمل جلالته على تحديث البنية التحتية، وتطوير القطاعات الصحية والتعليمية، وتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الأردني. كما حافظ على نهج ديمقراطي في حكمه، بالرغم من التحديات الإقليمية والدولية التي واجهت المنطقة.
مواقف ملكية في الشأن الإقليمي والدولي
على الصعيدين الإقليمي والدولي، كانت مواقف الملك الحسين حاسمة ورائدة. فقد لعب دورًا محوريًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من أول من لبى نداء القمة العربية في 1964. ولم تقتصر مجالات تأثيره على السياسة فقط، بل أظهر دورًا استثنائيًا في تحسين علاقات الأردن مع الدول الكبرى، مما مكن المملكة من الحفاظ على توازنات سياسية واقتصادية بين مختلف القوى في العالم.
ومن أبرز الأحداث التي تجسد شجاعة الملك الحسين وحنكته السياسية كانت معركة الكرامة في عام 1968، حيث نجح الجيش العربي الأردني في دحر القوات الإسرائيلية، مؤكدًا بذلك على قوة وولاء الجيش الأردني لقيادته، ومثبتًا أنه لا يمكن لأي قوة خارجية أن تهزم إرادة الشعب الأردني في الدفاع عن وطنه.
رحيل الحسين: جنازة العصر وميراثٌ خالد
وعندما رحل الملك الحسين في السابع من شباط 1999، كان الأردن في وداع بطلٍ قاد شعبه بحب ووفاء طوال عقود. في تلك اللحظات، ودع العالم قائدًا محنكًا وحكيمًا، وفي “جنازة العصر”، شهدنا حشودًا من قادة العالم يعربون عن احترامهم الكبير لهذا الرجل الذي ترك بصمات خالدة على مجريات التاريخ.
اليوم، ونحن نستذكر يوم ميلاده، نجد أن إرث الملك الحسين لا يزال حيًا في قلوب الأردنيين. فالحسين الذي عاش ملكًا للقلوب، رحل ليصبح مالكًا لهذه القلوب للأبد. ومع مرور الزمن، تبقى ذكراه خالدة في عيوننا، ونستمر في السير على خطاه، مستلهمين من عزيمته وتفانيه في خدمة وطنه وأمته.
في هذه الذكرى، لا يسعنا إلا أن نقول: “عشت ملكًا للقلوب، ورحلت مالكًا للقلوب، وستظل ذكراك محفورة في تاريخ الأردن والأمة العربية، وستظل سياساتك وإرادتك نبراسًا نهتدي به في مسيرتنا نحو المستقبل”.