النظامي يكتب : كيف قرأت إختيار الملك لجملة “عيب عليهم”

عمان بوست – بقلم الصحفي خليل النظامي
يمكنني القول ان استخدام الملك لجملة “عيب عليهم” لم يكن مجرد اختيار لغوي عابر، بل كان توظيفا دقيقا لجملة اردنية شعبية اصيلة تحمل قوة وجدانية واجتماعية، ليؤدي وظيفة مزدوجة تتمثل بـ إدانة صريحة من رأس الدولة للخونة، ورسالة تعبئة لـ الرأي العام لمواجهة أي تهديدات للوطن بأسلوب يتجاوز القوانين والقرارات الرسمية، ليصل إلى جوهر الروح الأردنية ووجدانها المشترك.
اذ يحمل استخدام الملك لجملة “عيب عليهم” التي رماها في وصف خونة الأردن ومن يؤتمرون من الخارج، دلالات سياسية واجتماعية تتجاوز حدود الخطاب الرسمي الذي اعتدنا عليه في السابق.
وبحسب معرفتي بالشارع الأردني كوني فرع أصيل منه فهذه الجملة تعتبر من الجمل المتجذرة في ثقافة العشائرية الأردنية، واستخدام الملك لها ارجح أنه انعكاس لمحاولة واضحة للخروج من الإطار الدبلوماسي والقانوني إلى خطاب أكثر قربا من وجدان المواطن العادي، هذا إذا علمنا أن هذه الجملة تحمل وزنا أخلاقيا في ثقافة العشائر وهو ما يجعلها أشد تأثيرا من أي مصطلح قانوني أو سياسي جاف.
أيضا؛ الجميع يعلم أن الخطاب السياسي للملوك والرؤساء عادة يتسم بالتوازن والدقة، لكن حين يلجأ رأس الدولة الأردنية إلى تعبير مشهور في الأوساط الشعبية الأردنية بهذا الوضوح فهذه إشارة الى رغبته في تبسيط الرسالة وإيصالها بأكبر قدر من التأثير المباشر، عوضا عن التحدث بمصطلحات قانونية مثل “الخيانة العظمى” أو “تقويض الأمن الوطني” مثلا، أو “المساس بالسيادة الوطنية”، علاوة على أنه تعبير يحمل في طياته استنكارا وجدانيا وأخلاقيا، الأمر الذي يعكس إدراكا لأهمية توظيف اللغة الشعبية القريبة من الناس لحشد الرأي العام ضد هذه الأفعال المشينة.
الى ذلك، في السياق العشائري الخاص بثقافتنا كـ أردنيين تعتبر جملة “عيب عليهم” أكثر من مجرد تعبير عن الاستياء، بل بمثابة حكم اجتماعي ثقيل الوزن يشير إلى انتهاك معايير الكرامة والأخلاق المتفق عليها ضمن الهوية الوطنية، وبالتالي استخدامها في هذا السياق ليس مجرد استنكار، بل وضع الخيانة في إطار العار المجتمعي، الأمر الذي يعزز الشعور بالرفض العام لمثل هذه التصرفات.
كما أن هذه العبارة قد تحمل بعدا تحذيريا، إذ تبدو كـ رسالة واضحة للمعنيين والمقصودين مفادها أن ما يقومون به ليس مجرد تجاوز قانوني، بل خروج عن القيم الأردنية الأصيلة والسيادة للهوية الوطنية، وهذا أمر قد يدفعهم إلى إعادة التفكير في أفعالهم العفنة، الى جانب ذلك فإن ما قاله الملك اليوم لا يخاطب به فقط أولئك الذين قد يكونون متورطين في أفعال الخيانة، بل يخاطب المجتمع بأسره داعيا إلى ترسيخ الشعور الجمعي برفض هذه السلوكيات باعتبارها مرفوضة شعبيا وأخلاقيا قبل أن تكون جريمة قانونية بحق السيادة الوطنية، ويعكس رغبته في أن يكونوا هم القضاة الحقيقيين في مسألة الولاء والانتماء والحكم على هذه الفئة الخائنة العملية بحق الوطن والأرض والسيادة والهوية الوطنية.