عثامنه يكتب : توطين الإرهاب وتطبيع الفكر المتطرف: معركة الدولة على جبهتها الداخلية

عمان بوست – بقلم م. صفوان عثامنه
ما يجري اليوم من دفاع مستميت عن خلية إرهابية تم كشفها بالأدلة والاعترافات، لا يدخل في سياق الحرص على الوطن أو قضايا الأمة، بل هو محاولة مكشوفة لتطبيع الإرهاب وتوطينه داخل الأردن، ومنح نشاط مسلح غير مشروع غطاءً أيديولوجيًا يهدد أمن الدولة واستقرارها.
الخلية لم تُضبط في ساحة مواجهة مع الاحتلال، بل داخل حدود الدولة الأردنية، وبحوزتها مواد متفجرة وأسلحة مصنّعة محلياً تهدف لاستهداف مؤسسات وطنية حساسة. المدى الذي حدده خبراء التسليح (3 إلى 5 كيلومترات) لا يصل إلى غزة، بل يستهدف الداخل الأردني، من مقرات أمنية إلى رموز سيادية. فهل هذا ما يسمى دعماً للمقاومة؟
المفارقة أن من يطالبون اليوم بالعقلانية والتسامح، يدعون الأردنيين إلى الصمت أمام جريمة أمنية موثقة، بدلاً من تحميل المسؤولين عنها واجب الاعتراف والمساءلة. الوطنية الحقة لا تعني تبرير الخروج على القانون تحت ستار “النوايا الطيبة” أو “سوء الفهم”، بل تعني الوقوف الحازم مع الدولة ومؤسساتها.
بعض الجماعات – وعلى رأسها تيارات الإسلام السياسي واليسار الراديكالي – تسعى لتحويل الأردن إلى إحدى “ساحات المقاومة” المزعومة، تحت شعار “وحدة الساحات”، متجاهلين فشل تلك الساحات وانهيار رموزها، ومتجاوزين حقيقة أن الأردن دولة ذات سيادة، لها جيشها وأجهزتها ومؤسساتها التي تشكّل صمّام الأمان لهذا الوطن. من أراد العمل العام، فالدولة فتحت أبواب الأحزاب والتعبير الشرعي، أما من اختار السرّية والتسليح والتخطيط خارج القانون، فلا يمكن التعامل معه كضحية، بل كفاعل يجب أن يُحاسب.
إن القبول بوجود تنظيمات مسلحة موازية خارج مؤسسات الدولة هو تهديد مباشر للسيادة، تمامًا كما أن التشكيك في دور الأجهزة الأمنية والتقليل من أهمية اعترافات موثقة رسمياً، يُعد استمرارًا في نهج التحريض ومحاولة لتقويض الثقة العامة بالدولة.
لقد أعلنت الدولة، وبشفافية، عبر مؤتمر صحفي مدعّم بفيديوهات الاعتراف، الحقائق للرأي العام. ولم يكن ذلك استعراضاً إعلامياً، بل تأكيداً على أن لا أحد فوق القانون، وأن كل من يهدد أمن الوطن سيواجه العدالة بلا تهاون.
على الحكومة أن تُولي الشأن الداخلي أولوية قصوى، وأن تدعم الجيش العربي والأجهزة الأمنية بثقة لا تردد فيها. فالدولة القوية تبدأ من مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسات الأمنية التي تشكّل صمام الأمان للجميع.
من يطعن في تلك المؤسسات أو يشكّك فيها، لا يفعل ذلك دفاعًا عن حرية أو مقاومة، بل يخدم أجندات خفية لا تصب إلا في خانة الفوضى والانقسام. ومن يدّعي الحكمة والعقلانية، عليه أن يتحلى بالشجاعة ليقول للمخطئين: أخطأتم.
الوطنية لا تعني الصمت عن مخططات تمسّ أمن الأردن، بل تعني الانحياز الصريح للدولة، والاحتكام للقانون دون تبرير أو مواربة، قبل أن يكتشف هؤلاء أن من سكتوا عنهم اليوم، هم من كانوا يخططون لهدم البيت على رؤوس الجميع.
الازدواجية لا تبني وطنًا: لا يمكنك أن ترفع شعار الولاء في العلن، وتخطط في الخفاء لهدم الدولة.
العمل العام مسؤولية، لا مؤامرة!