أقلام بوست

الدعجه يكتب : تحليل معمق لبيان حركة حماس”بيان حماس… قنبلة لغوية موقوتة تهدد أمن الأردن تحت راية العاطفة”

عمان بوست – بقلم الكاتب والمحلل الأمني د.بشير الدعجه

البيان الذي صدر عن حركة “حماس” بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2025… تعليقاً على اعتقال مجموعة من الأردنيين المتهمين بالضلوع في أنشطة تمس الأمن الوطني… ليس مجرد بيان تضامن مع من تصفهم الحركة بـ”مبادرين أحرار”… بل هو وثيقة سياسية كاملة الأركان… كُتبت بعناية فائقة، محمّلة برسائل لغوية وسيميائية دقيقة… تقفز فوق خطوط السياسة إلى عتبات الأمن والسيادة.

من يقرأ البيان لأول وهلة قد ينخدع ببلاغته الدافئة… وبعباراته التي تتغنّى بالضمير القومي والواجب الإسلامي ونصرة القضية الفلسطينية… فالجمل مصاغة بحرفية لافتة… تستدعي قاموسًا مشتركًا بين وجدان الأمة وجراح غزة… لكنها في العمق تسعى إلى إعادة توصيف الحدث الأمني في الأردن على أنه فعل نضالي… بل وواجب أخلاقي يستحق الشكر لا الإدانة.

المعتقلون في نظر البيان… ليسوا مجرد مواطنين تورطوا في تجاوز القانون… بل “ضمير الأمة” و”أبناء التلاحم التاريخي” و”رموز الموقف القومي الحي”… وهذه ليست مجرد تعبيرات عابرة… بل محاولات دقيقة لإعادة تشكيل الوعي العام… وتوجيه الرأي الأردني نحو الانفعال العاطفي… بدلًا من التفكير العقلاني في خطورة الأفعال موضوع الاتهام.

الأخطر من ذلك هو تلك الفقرة التي تشدد على أن دوافع المعتقلين لم تكن تهديدًا للأردن… بل دفاعًا عن القدس وغزة… في الظاهر تبدو هذه محاولة للتهدئة… لكن في الحقيقة… تحمل بين طياتها إقرارًا ضمنيًا بأن ما قاموا به قد يتعدى القانون الأردني… لكنها محاولة “مشروعة” برأي الحركة تستحق التسامح وربما الاحتفاء… وكأن “حماس” تقول للأردن : لديكم قوانينكم لكن قضيتنا فوقها.

البيان يتحرك بذكاء لغوي بين الشكر للموقف الرسمي الأردني الرافض للتهجير والدعوة إلى الإفراج “الفوري” عن المعتقلين… وهذا ليس تناغمًا سياسيًا بل ضغط مباشر… بلغة مغلفة بالحكمة لكنها تجرح السيادة… فأن تطلب حركة غير أردنية “معالجة الملف بروح من المسؤولية القومية”… هو تدخل فجّ وسافر في آليات دولة ومؤسساتها… وتجاوز غير مبرر على استقلالية القرار الأمني الأردني.

الرموز المستخدمة في البيان ليست عفوية : القدس، غزة، الأقصى، الاحتلال، التهجير، المقاومة، الأمة، الشهداء… كلها مفردات شديدة الحضور في الوجدان العربي… تُستدعى بدقة لخلق حالة وجدانية عالية وتخدير المتلقي عن طرح السؤال الأهم : ما الذي فعله هؤلاء الشباب تحديدًا؟ ولماذا تتحرك “حماس” بهذه السرعة للدفاع عنهم قبل حتى أن تتضح نتائج التحقيق؟

البيان في مضمونه يحاول سحب الملف من الدائرة الأمنية إلى الفضاء العاطفي الشعبي… عبر لغة مشبعة بالشرعية القومية والدينية… لكنه في الوقت ذاته… يعيد تعريف مفهوم السيادة ويختزل العلاقة الأردنية-الفلسطينية إلى مفهوم التلاحم العاطفي… لا التعاون السياسي والمؤسسي المنضبط… وهنا تكمن الخطورة : أن تتحول السيادة إلى مرونة شعورية بدلًا من أن تبقى مؤسسة قانونية تحكمها الدساتير والأنظمة.

حماس لم تكن في هذا البيان مدافعة فقط عن معتقلين… بل كانت ترسم حدودًا جديدة للتأثير وتختبر قدرة الدولة الأردنية على ضبط خطابها الداخلي في مواجهة تدخلات تحمل طابعًا وجدانيًا… لكنها تتسلل في حقيقتها إلى عمق القرار السيادي.

إنه بيان يُقْرأ كما تُقرأ بيانات الحروب الباردة : ما بين السطور أكثر فتكًا من النص نفسه…بعبارة أخرى وأوضح البيان تجاوز كل الخطوط الحمراء… وللحديث بقية.

د. بشير _الدعجه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى