الفواز تكتب : القانون والسيادة: ركيزة العدالة وأساس استقرار المجتمع

عمان بوست – بقلم د. تغاريد محمد الفواز

‎في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة، يظل القانون البوصلة التي تحافظ على انتظام المجتمعات وحقوق أفراده، فهو ليس مجرد نصوص مكتوبة بل مرجعية جوهرية تنظم العلاقة بين الأفراد والدولة. يؤكد الفيلسوف الروماني شيشرون أن: “ليس هناك دولة بدون قوانين، ولا قوانين بدون حكمة”. هذه الحكمة تعكس جوهر القانون كحامي للحقوق ومنظم للعلاقات البشرية.

‎القانون ينبع من حاجة الإنسان إلى ضبط النزعات الذاتية الغريزية تجاه السيطرة والهيمنة، فبدونه تتحول تلك النزعات إلى اعتداء وانتهاك للحقوق. ويقول المثل العربي: “إذا لم يكن القانون يحميك، فلا تحمي القانون”، وهو تذكير بأن احترام القانون هو ضمان استمراريته وفاعليته.

‎هذا المعنى يتجلى أيضاً في تجربة الفلاسفة الكبار، فمن أرسطو الذي رأى في القانون “عدالة مجسدة”، إلى مونتيسكيو الذي أكد على ضرورة الفصل بين السلطات ليضمن ضبط السلطة وحرية الأفراد. يقول مونتيسكيو: “لكي يكون هناك حرية حقيقية يجب أن تكون القوة تقيد القوة”. أي أن القانون هو الساتر الذي يمنع أي سلطة من الانزلاق نحو الاستبداد.

‎تاريخياً، أثبت القانون دوره المحوري في بناء دول قوية مستقرة، كما في حالة الرومان الذين وضعوا “قانون الألواح الاثني عشر” لترسيخ مبدأ المساواة والعدالة بين المواطنين، مما ساعد على تأسيس نظام حكم متين. كذلك، أكد الإمام علي بن أبي طالب أن: “العدل أساس الملك”. فهي دعوة لوضع العدالة حجر الزاوية في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

‎في غياب القانون، يهيمن الفساد والفوضى، وتتهاوى الثقة بين الشعب والحكومة، وهو ما وصفه الفيلسوف توماس هوبز حين قال: “حيث لا قانون، لا عدل، وحيث لا عدل، لا سلام”. هذه العبارة تلخص المخاطر التي تنجم عن انعدام سيادة القانون.

‎القانون كذلك هو التعبير الأسمى عن الإرادة العامة كما أكد جون لوك: “القانون هو المعبر عن الإرادة العامة، وبدونه لا توجد حرية حقيقية”
‎. فهو الذي يضمن الحريات، وينظم الحقوق، ويأمن العدالة لجميع أفراد المجتمع بدون تمييز.

‎لكن يجب أن يكون القانون أكثر من مجرد نصوص مكتوبة. فهو يحتاج إلى تطبيق فعلي عادل وشفاف يعكس قيم المجتمع الحقيقية. المثل المغربي يقول: “كل واحد يسرق ويفرق، ما تبقى البلاد تسويق”. هنا يُبرز المثل ضرورة احترام القانون لوقف الانحرافات والفساد.

‎بالإضافة إلى ذلك، يتوجب أن يكون القانون عصيًّا على التلاعب بتقلبات الأهواء السياسية أو النفوذ، ففي قول أرسطو: “القانون يجب أن يكون سيدًا وليس عبدًا للمتقلبات”. وهذا يعزز مكانة القانون كقوة مستقلة تدافع عن الحقوق وترسخ النظام.

‎وفي العالم المعاصر، تزداد أهمية سيادة القانون مع تنامي التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي يرتبطان ارتباطا وثيقا بوجود نظام قانوني متين. كما يشير المثل اللاتيني: “Dura lex, sed lex” (القانون قاسٍ لكنه القانون)، فتطبيق القانون بحزم وعدالة هو السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن الداخلي وتحقيق العدالة الاجتماعية.

‎في الختام، يبقى القانون العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للعدل والحياة الكريمة. سيادة القانون ليست رفاهية بل ضرورة تتطلب التزام الجميع، من سلطة وشعب، للحفاظ على توازن المجتمع
واستمرارية تطوره.
ايميل : tghareedalsham@gmail.com
واتساب :
+966 53 413 7356

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى