أقلام بوست

الخواجا يكتب : نهاية فصل دراسي من الحياة والفرح

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

يعيش مَن يُمارس التعليم شعور البدايات والنهايات بشكل متواصل ومتّصل، حيث تتوالى الأجيال عبر السنوات ممتدةً في الزمن والتاريخ، محملةً بصنوف المعرفة والفكر والمشاعر التي قد تتباين على طول الخط ما بين شغفٍ مشتعلٍ لا ينطفئ، وبين حزنٍ ووجعٍ وألمٍ لا ينتهي.

منذ سنوات وأنا أستمتع بإعطاء مواد في الأخلاق والقيم الإنسانية والمسؤولية المجتمعية، حيث تتضمن تلك المواد برامج منهجية لأعمال تطوعيّة تدعى بالمبادرات الطلابية. فيقوم الطلبة بتشكيل فرق منهم لتنفيذ أعمال تطوعية كمبادرات داخل الحرم الجامعي أو خارجه في المجتمع المحلي.

في هذا الفصل تم تحديد أشكال المبادرات ضمن فكرتين رئيستين هما « السلامة المرورية داخل الحرم الجامعي، والتوعية بمضار التدخين» ومن حسن حظي أنا الذي يعاني من سنين طويلة من التدخين أن مبادرة الطلبة لدي كانت عن السلامة المرورية، فما أصعب أن تطلب من الآخرين فعل شيء أو الامتناع عن الفعل، فيما أنت لا تستطيع ذلك.

معلوم أن الجامعة الأردنية هي أولى الجامعات في تاريخ المملكة الحديث، حيث تم إنشاؤها عام 1962 برعاية من لدن الملك المرحوم الحسين ابن طلال، كانت عمان آنذاك عبارة عن قرية كبيرة لم تصل بعد إلى مستوى المدينة المكتظة المزدحمة، كانت السهول وبيادر القمح تملأ جبل عمان والشميساني والجبيهة وتلاع العلي وصويلح وشفا بدران ووادي السير، فيما كانت آخر المناطق المأهولة عند مشارف العبدلي حالياً لتتناثر المباني بشكل متفرق بعدها، كانت الحياة بسيطة، وكانت الحافلات العمومية تدخل حرم الجامعة لتوصل الطلبة والموظفين، ولم يكن هناك جدران أو أسلاك شائكة بين الحرم الجامعي والمحيط بها، كانت أعداد الطلبة متواضعة والكليات محدودة والتخصصات معدودة. كانت المسافات تبدو بعيدة وشاسعة داخل الحرم الجامعي بسبب قلة أعداد المستخدمين والمستفيدين من الحرم الجامعي حينها.

كان مستشفى الجامعة عندما تاسس عام 1973 على تلك الربوة الجميلة المطلّة يمكن مشاهدته من أبعد المناطق في عمان كونه الأعلى ارتفاعاً ولعدم وجود عوائق تحد النظر كالمباني العملاقة التي ملأت المساحات العمانية الآن.

ربما لم يتصور أحد أن تصبح عمان من أكبر المدن العربية والإقليمية ازدحاماً وسكاناً، وهذا ينساق أيضاً على الجامعة الأردنية التي حين تأسست كانت بمثابة القفزة الحضارية الكبيرة بمساحات واسعة ممتدة. لكن عندما نتحدث عن الجامعة الأردنية في عام 2025، فإننا نتحدث عن بقعةٍ جغرافيةٍ أصبحت تنوء بحملها الذي تجاوز ما يبلغ أكثر من خمسين ألف إنسان يتحرك طيلة الوقت داخل ذات المساحة التي أيضاً اكتظت بالمباني للكليات والإدارات، وطبعاً رافق ذلك تكدّس هائل للمركبات على اختلاف أنواعها وأحجامها، لقد اختنق الحرم الجامعي وضاق بمن فيه نتيجة الزيادة الهائلة في عديد المتواجدين بذات البقعة وذات الزمان.

مع تنفيذ المبادرات فقد اختلفت نظرتي للحركة المرورية داخل الحرم الجامعي، حيث يبدو أن الثقافة المرورية تكاد تنعدم تماماً، فلا إلتزام واضح وصارم في اللوحات الإرشادية المرورية، وكأن المخالفة في داخل الحرم لا علاقة لها بخارج الحرم، هناك ثقافة شائعة لدى العابرين والمشاة بأن يتعاملوا مع شوارع الجاعمة باعتبارها مجرد امتداد للأرصفة والسير عليها طيلة الوقت، لا بل هناك من يستمتعون بالجلوس على أطاريف الشوارع أو الوقوف التام في الشارع وإدارة أحاديث وتبادلها، هناك اشتباك دائم متواصل طيلة الوقت بين المركبات والمشاة، هناك السائرين على الشوارع يسيرون بطريقة العرض لا الطول، فإذا كانوا أربعة أو خمسة طلاب، تجدهم يغلقون الشارع أثناء سيرهم العرضي. هناك من يتعامل مع شوارع الحرم الجامعي كأنه الطريق الصحراوي أثناء قيادته، فتجده لا يتقيّد بأن لا تتجاوز سرعة المركبة 20 كم في الساعة وعلى أقصى تقدير 30 كم عندما يكون الشارع خالياً من المارة. أما الإصطفاف فهذا أيضاً جزء أساس من المعاناة المرورية داخل الحرم الجامعي. لقد جاءت المبادرات الطلابية ساعيةً للبحث عن حلول وآفاق لهذه الأزمة التي تكبر وتزداد خطورةً، وهي ربما باتت معضلة وطنية ليست مقصورة على الجامعة أو على عمان.

كان فصلاً دراسياً كالعادة ممتعاً وشيّقاً متجدداً مع روح الشباب المتدفقة ووهج الخير في عيون الطلبة، شكراً لكم أبنائي ولو كان بيدي لكتبت أسماءكم بأحرفٍ من الفخر الذي تستحقون. وتبقى الجامعة رمزاً وطنياً نحمله في كل الدروب والقلوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى