العثامنه يكتب : هواة في كل شيء.. لكن الأردن باقٍ!

عمان بوست – بقلم المهندس صفوان العثامنه
هواة في تنبؤات الطقس، هواة في الإعلام الشعبوي، هواة في السياسة والتحليل والتنجيم، هواة في تسويق الأوهام والانتصارات الزائفة. المشهد الأردني لم يسلم من فوضى يحرّكها تزييف الوعي بخطط مدروسة، تسعى إلى صناعة بطولات افتراضية، وإشعال معارك عبثية، لا تقدم أو تؤخر قيد أنملة، لكنها تستهلك العقول، وتُضعف الثقة، وتفتح الأبواب للفوضى.
استوقفني منشور الدكتور عمر الرداد في وصف هذا المشهد، وألهمتني كلماته لكتابة هذا المقال، فالفوضى ليست عبثية، ولا تُدار بعشوائية. الأردن مستهدف منذ نشأته، وهذه ليست مجرد نظرية بل واقع تثبته الوقائع والتجارب. لم يكن الاستهداف دائماً عسكرياً عبر محاولات الاختراق المباشر، ولا حتى من خلال تهريب الأسلحة والمخدرات لضرب استقرار المجتمع، بل تطور ليصبح حرباً ناعمة تستهدف عقل المواطن قبل حدوده، وتسعى إلى تفكيك ثقته بدولته ومؤسساته.
المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل أصبحت في الوعي. حملات إعلامية موجهة، من الداخل والخارج، تركز على زعزعة ثقة المواطن بوطنه، وقتل روح الانتماء لديه، وإشعاره بأن كل شيء في بلده هش، وأن قرارات دولته مجرد إملاءات أو مؤامرات.
في كل يوم، يظهر لنا “خبراء” جدد، يتلاعبون بالمعلومات، يُسخّنون الأجواء، ويُطلقون الإشاعات كأنها حقائق مُطلقة، ثم يطالبون الدولة بالنفي أو الإثبات، وعندما ترد المؤسسات الرسمية، يُحوّلون الرد إلى سلاح ضدها، وكأنهم يُحاكمونها على فعل لم تقترفه! تمامًا كما حدث مؤخرًا مع دائرة الأرصاد الجوية، التي تم استدراجها للرد على شائعات هم أنفسهم أطلقوها، ثم عادوا ليُحاسبوها على ردّها!
هذه ليست حالة منعزلة، بل نمط ممنهج من الفوضى المدروسة، يتكرر في كل محطة مفصلية، ويتسلل عبر كل ثغرة، ليُربك القرار الرسمي، ويضغط على صانعيه، حتى باتت بعض المؤسسات مرعوبة من ردود الفعل أكثر من حرصها على أداء واجبها. فمن شيطنة حملة اتطعيم للأطفال لم تستطع الحكومة إنفاذها، إلى الترويج لنظرية المؤامرة حول القرارات السيادية، وصولًا إلى استدعاء “خبراء الأفاعي” و”قضايا الطقس” و”مؤامرة اسطوانات الغاز”، تتكرر اللعبة بذات السيناريو، لتقويض الثقة بين المواطن ومؤسساته، وزعزعة الأمن الوطني والاستقرار، تمهيدًا لإغراق البلاد في فوضى منظمة.
هذا مثال واضح على العبث الذي يُراد إغراق الدولة به، فكيف لمؤسسة قائمة على العلم أن ترد على أكاذيب مفبركة؟! وكأن المؤسسات الأردنية مطالبة في كل مرة بإعادة اختراع العجلة! وكما قال الشاعر:
“وليس يصحّ في الأفهام شيءٌ
إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ”
الأردن لا يحتاج إلى صراخ هواة السياسة والإعلام، بل إلى مشروع تحصين وطني ضد التحريض والشائعات وثقافة الخوف. المطلوب اليوم ليس مجرد ردود فعل حكومية، بل رؤية استراتيجية لتشكيل مناعة مجتمعية، تعزز الانتماء الوطني، وتُعيد بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة. فالمعركة ليست مع هواة يصرخون في الفراغ، بل مع مخططات تهدف إلى تفكيك الوعي الوطني، وتحويل المجتمع إلى ساحة لصراعات عبثية.
لكن، ورغم كل هذا الضجيج، سيبقى الأردن والهواشم، وسيظل الأردنيون متمسكين بهويتهم، مهما حاول الواهمون زعزعته، ومهما اجتهدوا في رسم معارك صغيرة في زوايا ضيقة، سيبقى الأردن أكبر من مكائدهم، فالتاريخ لا يُكتَب بثرثرة الهواة، بل بثبات الرجال، والأردن كان وما زال وسيبقى للأردنيين، وعلى رأسهم ملوك العرب أحفاد بيت النبوة، ولن تزيد مكائد الحاقدين الأردن والأردنيين إلا قوة وصلابة، ولن تزيد هؤلاء الحاقدين إلا خسارا.