الخواجا يكتب : أين اختفى مسجد صويلح الكبير
بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – منذ فترة لا بأس بها وتحديداً منذ عام 2022 أي منذ سنتين مضتا، حضرت الجرافات وآلات الهدم من أجل هدم بناء تاريخي قديم قدم مدينة صويلح ذاتها، فهو تم إنشاؤه مع وصول الشراكسة والشيشان للمدينة التي كانت قرية بسيطة قبل قرنٍ من الزمان. ويحمل اسم مسجد الشيشان القديم لأنه تم بناؤه بجهود وتمويل الأهل من الشيشان سكّان صويلح الأوائل وكان ذلك عام 1905، وتم تجديده عام 1947، وأصبح المسجد يشكّل حالة وقيمة رمزية وعنوانا للمدينة حتى إن معظم الصور القديمة للمدينة كان يظهر فيها المسجد بمأدنته المرتفعة. وهو مع تواجده في وسط المدينة ووسط الشارع الرئيس فيها، أصبح يمثّل حالة وجدانية وإيمانية مع قيام حركة تجارية في محيطه. وارتبطت الذاكرة المحلية لأهل صويلح بإمام المسجد الشيشاني، لقد أسس الشيشان الأوائل قرية صويلح، وأول بناء اقاموه فيها هو المسجد دليلاً على تمسكهم بالإيمان والدين، فهم هربوا من بلاد القوقاز خشيةً على دينهم بالدرجة الأولى. فأقاموا هم وعائلاتهم بجوار المسجد الذي يقع بالقرب من عين ماء كبيرة وغزيرة إلا أنها ضعفت مع الزمن. ويقال أن أحمد حلمي باشا الفلسطيني قد تبرع لإقامة المئذنة للمسجد، وأن من بنى المئذنة اسمه عمر الهشلمون من الخليل، فيما قام شكري بينو الشيشاني بتثبيت الهلال على المئذنة. ومن المتبرعين للمسجد بقيمة خمسة عشر جنيهاً الملك فيصل الأول ملك العراق بعد زيارته إلى عمان بتاريخ 20/ 07/1923، وكان أول إمام للمسجد هو احمد عبد الله الشيشاني، أما مسجد الشراكسة، فقد بناه الشركس الأوائل على قمة مرتفعة عام 1908.
المعلومات أن النيّة اتجهت لهدم المسجد بسبب تقادمه وتآكل جدرانه، وإعادة بنائه بصورة تلبّي المشهد الحضاري والجمالي للمدينة خاصةً وأنه يستحوذ على منطقة حيوية في منتصف المدينة.
وفعلاً تم هدم البناء والمرافق وسويّت بالأرض، على أمل أن تبدأ ورشة إعادة البناء للمسجد منذ اكثر من عام مضى، لكن توقف العمل عند هذا الحد وأعني هدم المسجد، مع ما شكّله ذلك من حرمان المصلّين الذي كانوا يؤمون المسجد يومياً من أصحاب المحلات والسكان المحيطين به والعابرين.
حين سألت عن سبب عدم استكمال العمل، كان هناك إجابات غير مؤكدة: الأولى أن العطاء تم استهلاكه ولم يتبق من مخصصات للعمل، فيما رأي آخر أنه لا توجد مخصصات مرصودة للعمل، وثالثة تقول أن أرض المسجد اكتشف تحتها عين ماء لا بد من تجفيفها أو إيجاد الحلول لها قبل عمليات البناء.
في جميع تلك الحالات والتي لا أدري من المعنّي بها، هل هي أمانة عمان، أم وزارة الأوقاف، أم هناك جهات أخرى، فقد هدم المسجد وتعطلت الصلاة الجامعة، واختفى من مدينة صويلح صرح تاريخي.
أرجو أن نسمع الرّد من الجهة المعنية بما حدث أو سيحدث مع المسجد وإعادة بناؤه، وبيان التسويف أو المماطلة أو العجز عن استكمال العمل.
لقد افتقدت صويلح جزءاً أساسياً من تراثها التاريخي، ولم يتم التعويض والتبرير بإعادة البناء للمسجد ليخدم مواطني صويلح ويعيد البهجة والدفء والحيوية للموقع والشارع الرئيس فيها.
تعتبر صويلح من اقدم المناطق أو الأحياء التي تشكلت منها عمان الكبرى، وتمتاز بكثرة ينابيعها التي كانت تتدفق بالعشرات من مختلف المناطق فيها، لكن تم جفاف أو تجفيف العديد منها بسبب الإعمار وشح الأمطار.
صويلح مدينة لها بصمتها المميزة، فهي نقطة تقاطع وتشابك للمارين شمالاً أو جنوباً، شرقاً او غرباً.
صويلح مدينة ضمت واحتضنت طلبة الجامعة الأردنية مع بداياتها، فكانت تضم فئات ومكونات المجتمع بأسره، لا بل تضم ضيوف الأردن من الطلبة من مختلف الدول العربية والإسلامية، وليس غريباً أن تشاهد في شوارعها من يسيرون ممن هم من ماليزيا وأندنوسيا والصين والخليج وغيرهم. وهي تستحق أن يتم توثيق تاريخها وتطورها ضمن ذاكرة المكان والإنسان الوطنية.
وتستمر الحياة