أقلام بوست

الخواجا يكتب : أهرام الخداع والتسويق الشبكي

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

منذ مطلع الألفية الثالثة ومع ظهور شبكة الإنترنت بشكل واسع الانتشار وسهولة الولوج إليها، فقد توالدت ما تدعى بشركات بيع الوهم الهرمي، تقوم فكرة أهرام الوهم Pyramids of Illusion على بيع منتج أو خدمة مع وعد باستعادة قيمتها بعد مدة زمنية وأرباح طائلة، ولو قمنا بحساب مدة تحقيق الأرباح على مدى أجيال طويلة سنجد تحقيق هذا الأمر للجميع مستحيل. سمي هذا النوع من التسويق بـ أهرام الوهم لأن المؤسسين الذين هم في أعلى الهرم يجنون المال عن كل العمليات ومن تحتهم يساعدونهم على جلب المزيد من الضحايا يكسبون بعض المال، لكنه أقل بكثير ممن هم في الأعلى، وهكذا تتوالى الأجيال وكل جيل يقبض مبلغا لا يتجاوز الجيل الذي أعلى منه حتى نصل إلى قاع الهرم والذي يضم جمهرة المستغفلين، حيث لا يجد المنضمين والمسوقين من يبيعوا هذه المنتجات لهم لانتشار سمعة الشركة وبيان حقيقتها أو عدم قابلية الاستثمار بها فيبقون أسفل الهرم بخساراتهم المالية الكبيرة والتي ظفر بها من فوقهم، فيما من في أعلى الهرم يفرّون بفعلتهم وما جنوه من أموال، إلى بلد لا يحاكمهم ولا يجرّمهم.
لتتبخر الشركة والعاملين فيها كأنها لم تكن. تستند أهرام الوهم على ما يدعى بالتسويق الشبكي المعتمد بشكل أساسي على الكلمة المباشرة من المعارف أو ما يسمى «word of mouth «، حيث يقوم المبدأ على فكرة هي أن الانسان يتأثر بعبارات الأصدقاء والمعارف أكثر من تأثره بالإعلانات وتجعل المستمع يقرر بشكل أسرع وأسلوب أكثر اطمئناناً، كمثال: إذا أتاك أخوك أو أعز أصدقائك وأخبرك بأنه يبيع أجهزة هاتف محمول متميزة جداً وبسعر مغري، وبدأ يسرد المواصفات وكنت بحاجة لهاتف محمول جديد ولا تستطيع التدقيق بين مواصفات المحمول، ستقرر بناءً على الثقة الأصلية الموجودة بينكما، بأن تشتري الهاتف بدون تردد.
ظهر مع التسويق الشبكي Network Markiting، فكرة المخطط الهرمي « Pyramids scheme» وللتوضيح فإن فكرة الاحتيال تتمثل بطريقتين: الأولى أن يتم التغرير بأحد الأشخاص مع وعود هائلة بجني أرباح كبيرة شريطة أن يستقطب من أقربائه ومعارفه أعضاء جدد ليحصل على عمولات تزداد بزيادة عدد المستقطبين، أما الثانية فتتمثل في بيع منتجات لا قيمة لها ولا فائدة من ورائها، المنتجات تباع بتكلفة أعلى من تكلفتها الحقيقية التي لا يعلمها أحد ، بعض المنتجات لا تساوي أي شيء ولكن من أجل الرغبة في الحصول على الربح المستقبلي يشتريها الزبائن وثمنها مرتفع من أجل الحصول على الأرباح، أي أن الغرض من الشراء ليس السلعة ذاتها وانما من أجل منفعة قد تأتي وقد لا تأتي ولكن العميل يشتريها من أجل ربح قد يأتي، والربح في هذه الشركة يأتي من انضمام الأشخاص للشركة أكثر من التسويق للمنتجات، لا يهتم الموزعين بمنتجات الشركة مثل اهتمامهم بانضمام الآخرين إلى هرم الشركة ولا يعرفون حقيقة منتجات الشركة، وكل اهتمامهم منصب في جني الربح بأي طريقة كانت، إنها منتجات غريبة وليست متوفرة في الأسواق العادية وغير معروفة وليست لها شهرة في المجتمع، وما يحدث في الواقع أن البائع والمشتري لا يعلمان حقيقة ما يبيعان. أما في أهرام الوهم فيتم الاشتراك بمبالغ كبيرة نتيجة الطمع في تحقيق عوائد سهلة وسريعة، أو بأن يمنح المشتري ما تدعى بالأسهم في مشروع يزعم المحتالين أنه يدرّ أرباحاً هائلة، إضافة إلى الوعود بالفائدة من استغلال المشروع كتأجيره أو الانتفاع بمرافقه لمدد معينة سنوياً وهكذا. وما أن تصل الشركة المحتالة إلى « النقطة الحرجة» المتمثلة في حصد أكبر كمية من العائد المالي، وبدء التململ والتذمّر من المودعين، لتختفي فجأة ولا يبقى منها أي أثرٍ يمكن تتبعه. ومع انكشاف كثير من أساليب الاحتيال المالي، فقد طوّرت تلك الجهات آليات عملها، بحيث تعتمد على مبدأ النقاط، فكلما زادت نقاط العميل، زادت أرباحه ومستواه في الشركة. ومعظم من يعمل في شركات الوهم هي مجموعات شابة حديثي التخرّج، ممن يبحثون عن فرصة للولوج إلى سوق العمل، فيتم التغرير بهم للعمل من أجل الكسب المادي وحديثهم التسويقي يطغى عليه الوعد بالثراء بدلا من التسويق.
إن من على رأس الهرم سيأخذ 80% بينما من تحتهم جميعا يتشاركون في الـ 20% المتبقية. أما الشركات الأم فهي غارقة في مكان ما في هذه الأرض وليست مهتمة بالرد على استفسارات العملاء، وكل عميل له مندوب خاص والعلاقة بالشركة الأم مقطوعة في أغلب الأحيان، والمندوب لن يستطيع الاتصال بأيٍّ من أعلى الهرم الهاربين. هي حكاية مليئة بالوجع والسذاجة والطمع والدجل والاحتيال، هناك شخص أشبع البلد وعوداً بالرخاء عبر سيل من مشاريعه عابرة القارات، وأضاف للترويج فتوى دينية حول شرعية المضاربة، وهي فتوى عامة الفهم وغير مخصصة له، لكن بدهاء المحتال قام بإفراد مساحات واسعة لهذه الفتوى واعتبارها إجازة شرعية لما يقوم به، إلى أن تم اصطياده واقتياده للقانون مع عدم التيقّن من حجم الذين استدرجهم في أوهام الربح والعائد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى