الخواجا يكتب : التوظيف السياسي الصهيوني (3)

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
لا يوجد في التاريخ البشري توظيف سياسي لعديد من المفاهيم وتكريسها كحقائق مثلما فعلت الحركة الصهيونية التي قامت على مجموعة من التوظيفات السياسية بحيث عملت على تسييس الدين اليهودي، وتديين السياسة الصهيونية، فأصبح الدين اليهودي في صلب عقيدته مسيّساً تم ربطه وخلاصه بمفهوم الوعد الإلهي المقدس والأرض المقدسة وبناء الهيكل وإعادة إحياء مملكة داود، وهي كلها شؤون دنيوية ليست ذات ارتباط بالدين والعبادة لله. كما تم إضافء الأبعاد الدينية على سائر الممارسات الحياتية، فالحروب التي يتم خوضها مع الأغيار « مقدسة» والاغتيالات مباركة، والاستيلاء على ممتلكات وأراضي الغير أوامر ربّانية.
لم يوجد عبر التاريخ البشري تطويع للمفاهيم كما هو حال الفكر الصهيوني، فقد جعل الدين عنصرياً قومياً منغلقاً بوعود إلهية لشعب مختار، كما أنه جعل من القومية ديناً وعرقاً بحيث أدخل شتات الأرض ضمن قومية شعارها أنها التعبير عن أصحاب الدين اليهودي. إنه الفكر المشوّه الغارق في شوفينية لم تتبناها أية قومية أو دين بهذه الصورة العجيبة.
في أكبر عملية استئصال عرقي شهدها القرن العشرين.. شرّد قسراً وبالقوة نحو /800/ ألف فلسطيني من أصل نحو مليون و 400 ألف، واحتل /87%/ من مساحة فلسطين البالغة /27/ ألف كيلو متر مربع، وجرى تدمير /531/ من أصل /774/ قرية ومدينة، ونفّذت العصابات الصهيونية أكثر من /70/ مجزرة بحق الفلسطينيين، ليقدّر عدد ضحاياها من الفلسطينيين بنحو /15/ ألفاً، ومن الجيوش العربية /3500/ و /2700/ عملية إغتيال لعلماء وقادة فلسطينيين.
ورغم سياسة التهجير والقتل فقد بقي نحو /150/ ألف فلسطيني في المدن والقرى الفلسطينية في حدود فلسطين المحتلة عام 1948.
ومنذ احتلال فلسطين في عام النكبة وحتى اليوم ارتقى أكثر من مائة ألف فلسطيني، ودخل السجون الإسرائيلية قرابة مليون حالة اعتقال منذ عام 1967..
بلغ عدد الفلسطينيين في العالم قرابة /14.5/ مليوناً وهو ما يعني تضاعف عدد الفلسطينيين نحو/10/ مرات منذ 1948.
77 سنة على النكبة الكبرى ويفتح الستار على مشهد الشعب الفلسطيني المجاهد القابض على جمر حقّه في كل فلسطين، رغم اهتراء نظامه السياسي وانقسامه على نفسه، وعجزه عن مواكبة نهضة الشعب فضلاً عن قدرته على قيادة هذه النهضة.
وفي الوجه الآخر نجد تجمعاً (إسرائيلياً) منقسماً يسير حثيثاً نحو دماره الذاتي، وقد أحاطت به رواية العقد الثامن، تلك الرواية التي بدأت معالمها من خلال ما نشاهده من تآكل داخلي على كل الصّعد وصولاً إلى لحظة الانهيار الكبير والزوال الحتمي.. ويقيناً أنّ المقاومة وليس غيرها هي من ستسرّع بهذا اليوم الآتي.
لماذا الرواية الفلسطينية عن نكبة 1948 غير مكتملة، على الرغم من أن الفلسطينيين أصحاب حق؟ سؤال كثيراً ما طُرح لدى المقارنة مع الرواية الإسرائيلية المحبوكة جيداً، في حين أن «حقائقها» مصطنعة ومحالة على الأسطورة الدينية. ولا يخفف من وطأة ضعف الرواية الفلسطينية محاولة بعض المؤرخين الجدد البحث في التاريخ الشفوي لسدّ ثغرة غياب المصادر الأرشيفية، على أن هذه المحاولات إذا رُفدت بوثائق تاريخية، ربما تعيد كتابة نص الرواية الفلسطينية. انعدام التوازن في هاتين الروايتين لعدة أسباب تتعلق بالسياق الذي رافق بروز الحركة الصهيونية وعلاقتها بالانتداب البريطاني، وكذلك علاقة تاريخ المنتصر بالمغلوب على أمره. كما ذكّروا بأن غياب الأرشيف الفلسطيني مرهون بغياب الدولة الحاضنة لأجهزة البحث المواجهة لنهب التراث الثقافي، إذ كان في إمكان هذه الأجهزة أن تبني نواة هذا الأرشيف، في النصف الثاني من القرن العشرين.