هلسه يكتب : الأردنيون في عيد الاستقلال: بهجة وطن تتجاوز الأعلام والهتاف

عمان بوست – بقلم رجائي معاوية هلسه
ليست مجرد احتفالات، ولا يمكن اختزالها في مسيرات مركبات مزينة بالأعلام ولا في أصوات الأهازيج التي ملأت الشوارع؛ ما شهدته المملكة الأردنية الهاشمية في عيد استقلالها الأخير كان تعبيرًا جمعيًا عن لحظة وعي وطني تتجدد، لحظة تصطف فيها مشاعر الانتماء، واليقين بالدولة، والولاء الثابت للقيادة، في مشهدٍ عفويّ لكنه شديد التنظيم، بسيط في مظهره، عميق في معناه.
منذ أسابيع، وربما أشهر، كانت ملامح التخطيط المسبق واضحة. مؤسسات الدولة، مدنية وأمنية، نسّقت بخبرة ومسؤولية لتكون هذه المناسبة أكثر من ذكرى، بل مساحة تُستعاد فيها كرامة الحاضر، وتُرمّم فيها بعض شقوق القلق الوطني. وكأن الأردن، في هذا اليوم، أراد أن يقول لنفسه وللعالم: “نحن هنا… أقوياء، موحدون، لا نتزحزح”.
لكن، ما لا يمكن لأي تخطيط أن يصنعه، هو فرحة الأردنيين الصادقة. تلك الفرحة التي خرجت من القلوب إلى الشوارع دون تعليمات أو دعوة رسمية. وجوه الأطفال، ابتسامات الأمهات، حناجر الشباب التي تردّد اسم الوطن… كلها مشاهد لا تُلقّن، بل تنبع من إحساس داخلي بأن هذا الوطن هو الأمان، وهو الهوية، وهو الحكاية التي لا يمكن التخلي عنها مهما اشتد الظرف أو تعقّد المشهد.
وفي زحمة الاحتفالات، كانت ابتسامة شرطي السير وسط التعب وأزمة المرور المكثفة، رسالة بليغة اختصرت المشهد كله: أن تكون في الأردن يعني أن تؤمن بأن العمل، الصبر، والكرامة، أعمدة ثابتة لحضارة تُبنى وتُصان كل يوم.
وإذا كانت رمزية الدولة تتمثل بقيادتها، فإن حضور جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في قلب المشهد الوطني، ومتابعتهما لفرحة الشعب، ومشاركتهما في تفاصيل الاحتفالات، لم يكن مجرد حضور بروتوكولي، بل تجسيد حيّ لوحدة الدولة والشعب. وحين ترى القائد وولي عهده الأمين بين الناس، تشعر بكل يقين أن الأردن ليس مجرد دولة، بل لوحة فسيفساء متماسكة، تجمع أطيافًا من الوفاء والانتماء في إطار واحد اسمه الوطن.
ولعلّ ما أضفى على هذه المناسبة بُعدًا إضافيًا من الوعي والانتماء هو ما شهده الأردن من أحداث أخيرة، كانت تستهدف تفكيك نسيجه الاجتماعي، وزعزعة أمنه واستقراره. إلا أن أجهزتنا الأمنية الباسلة كانت بالمرصاد، وأثبتت من جديد أنها صمّام الأمان لهذا الوطن، مما رسّخ لدى الأردنيين قناعة لا تقبل التأويل: لا ملاذ إلا الأردن، ولا راية تُرفع فوق راية أمنه واستقراره.
لقد تجاوزت الاحتفالات غير المسبوقة بعيد الاستقلال إطار الفرح التقليدي، لتتحول إلى بيان وطني مفتوح، كتبه الأردنيون في الميدان، وأرسلوه إلى كل من يراهن على ضعف الدولة أو تراجعها. هي لحظة تبلور فيها وعي جديد بالوطن: وعي لا يقوم على العاطفة فقط، بل على الإدراك العميق بقيمة الدولة، وقدر القيادة، وسُمُوّ الهوية الوطنية الجامعة.
وفي ختام المشهد، لم يكن الشعار الذي تصدّر الحناجر مجرّد ترديد محفوظ، بل خلاصة قناعة راسخة:
“الله، الوطن، الملك”… لا أكثر، ولا أقل.
رجائي معاوية هلسه