مشروع قانون الإجراءات الجنائية في مصر يثير جدلاً واسعًا وتحذيرات من تقويض العدالة

عمان بوست – يترقّب المصريون صدور المصادقة النهائية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي يُنتظر أن يعيد تنظيم مسار العدالة الجنائية في البلاد، من لحظة توقيف المتهمين وحتى صدور الأحكام، وسط تحذيرات أممية وحقوقية من خطورة بعض بنوده.

ويُعد القانون الجديد، إلى جانب قانون العقوبات، أحد الركائز الأساسية لمنظومة العدالة في مصر، ويصفه قانونيون بأنه بمثابة امتداد دستوري حاكم للعمل القضائي.

وبعد سنوات من المداولات داخل البرلمان، خرجت نسخة نهائية أعدتها لجنة فرعية خاصة، أكّد رئيسها إيهاب الطماوي أنها تشكّل “نقلة نوعية في ملف حقوق الإنسان”، لافتًا إلى أنها تضمنت ضمانات جديدة تتعلق بعمل النيابة العامة، وحقوق الدفاع، وظروف الحبس الاحتياطي، وإجراءات المنع من السفر.

من جانبه، شدد وزير الخارجية بدر عبد العاطي، خلال الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، على أن مشروع القانون يمثل “ثورة تشريعية” تعالج اختلالات سابقة خاصة بالحجز الاحتياطي.

لكن تلك التطمينات لم تُخفف من القلق الدولي، إذ دعا مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى التمهّل قبل إقرار القانون، لضمان توافقه مع التزامات مصر الحقوقية الدولية.

وتتركز الانتقادات حول مواد تمنح النيابة صلاحيات واسعة، أبرزها إمكانية منع الأفراد من السفر بشكل فوري وبدون حد زمني، ودون حكم قضائي، إضافة إلى السماح لقوات الأمن بدخول المنازل وتفتيشها دون إذن، في حالات “الخطر أو الاستغاثة” التي لم يُحدد القانون معاييرها.

مخاوف من تهميش القضاء وتعزيز صلاحيات الأمن

ويحذر حقوقيون من أن مشروع القانون يخلّ بتوازن السلطات داخل المنظومة القضائية، ويمنح الشرطة والنيابة العامة نفوذًا متزايدًا على حساب المتهمين وجهات التقاضي الأخرى.

ويرى كريم عنارة، مدير الأبحاث في “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، أن القانون المقترح “يقنّن ممارسات كانت تُعد انتهاكات سابقًا”، كحرمان الدفاع من الاطلاع على أوراق القضايا، وإجراء التحقيقات بمعزل عن المحامين، إضافة إلى حجب الشهود.

كما ينتقد عنارة تنظيم المحاكمات عن بُعد، معتبرًا أنها تفتقر للضمانات الأساسية، إذ “يُحرم المتهم من اللقاء المنفرد بمحاميه، ولا يَمثُل أمام قاضيه بشكل فعلي”، ما يضعف فرص التقييم القضائي لحالته وظروف اعتقاله.

حبس احتياطي وتدوير الاتهامات

ورغم تخفيض مدة الحبس الاحتياطي من 24 إلى 18 شهرًا، يعتبر محمود شلبي، الباحث في منظمة العفو الدولية، أن القانون لا يعالج “أزمة التدوير”، حيث تُدرج السلطات متهمين أتموا مدة حبسهم في قضايا جديدة مشابهة، لإعادة احتجازهم دون محاكمة عادلة.

ويضيف شلبي أن القانون الجديد يمنع المتهمين من التظلّم أو التقاضي في حال تعرّضهم لانتهاكات أثناء الاعتقال، إذ يمنح النيابة العامة وحدها حق التحقيق في تلك الحالات.

حوار مجتمعي لم يغيّر شيئًا

ورغم تنظيم البرلمان “حوارًا مجتمعيًا” لمناقشة المشروع، إلا أن الغالبية الساحقة من المقترحات التي قدّمها الحقوقيون والمحامون لم تُؤخذ بعين الاعتبار.

ويقول المحامي خالد علي، الذي شارك مع مجموعة من زملائه في صياغة وثيقة تعديلات بعنوان “نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية”، إن البرلمان تجاهل توصيات شملت 176 مادة من أصل 540، مؤكدًا أن المشروع في صورته الحالية “ينتقص من حقوق الدفاع ولا يواجه الفساد، بل يُوسع من سلطة الأجهزة الأمنية والنيابة”.

ويحتلّ النظام القضائي المصري المرتبة 135 من أصل 142 دولة، بحسب مؤشر سيادة القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمية، وهو ما يسلّط الضوء على التحديات البنيوية التي تواجه منظومة العدالة في البلاد.

أ ف ب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى