الخواجا يكتب : صغرت أشياء كثيرة.. لكنها فلسطين

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
كانت انتفاضة الحجارة فهو السلاح الوحيد المتاح حينها.. كانت العين تقاوم وتصارع المخرز.. كانت اللحوم والأجساد الغضّة تواجه الدبابة والمدفع وحتى طائرات إف 16.. ليس لدى الفلسطيني صفات خارقة للمألوف.. وليس لديه رغبة بالبحث عن الموت.. إنه إنسان بالدرجة الأولى.. يريد أن يحيا كما يحيا بقية خلق الله.. تماماً كالصيني والهندي والرواندي والمكسيكي والبنغالي والأرجنتيني والإنجليزي والفرنسي والأمريكي.. ليست ثمة ثقافة وعادات مغايرة لما لدى أفراد الأمم والشعوب.. إنه يفرح ويغنّي ويرقص.. يحزن ويبكي ويغضب.. إنه يتعلم ويتخلف.. تماماً كالبقية..
يقولون أن الشعوب المقاومة حية لا تموت.. وهذا الفلسطيني الذي ما زال يتوارث أبنائه مفاتيح العودة لبيوتٍ ربما ما عاد لها من أثر.. لكنه مؤشر على حرية الإرادة وصلابة العزيمة التي لم تهن أمام الكوارث والمجازر والهزائم..
لقد جاءت الانتفاضة ليست كحلاوة الروح قبل الذبح.. فالذبح حاصل منذ أربعين عاماً قبل الانتفاضة.. قال بن جوريون الصهيوني أن الفلسطينيين سوف يذوبون ويتلاشون في الصحارى العربية.. وقال دايان أن الأجيال القادمة سوف تنسى.. ولم ننس.. في البدء كانت الحرية والكرامة والإنسانية.. في البدء كانت فلسطين مهد الحضارات والأديان.. بقيت فلسطين وبقي كنعان..
أذكرها جيداً تلك الصور للانتفاضة.. لأولئك الأطفال والشباب والنساء.. وطبعاً الرجال التي كانت وسائل الإعلام تتناقلها لأبطال الانتفاضة.. كنا في الجامعة الأردنية آنذاك في السنة الأولى من تعلّم فيزياء الثورة وكيمياء الوطن وهندسة المقاومة المترافقة مع المواد الأكاديمية..
كانت الجمعيات الطلابية تعمل أسبوعاً من الأنشطة لدعم الانتفاضة.. ألقيت يومها كلمة على مدرج كلية الهندسة.. كانت التجربة الأولى للمواجهة مع جماهير طلابية غاضبة.. ماذا تقول أمام ذاك الفعل المقاوم..
جئنا إلى الجامعة بذاك الثائر اللاتيني أورتيغا الذي تماهى معنا على مدرج كلية التجارة وفي شوارع وحرم الجامعة.. تحدث معنا بلغته اللاتينية.. لم نفهم شيئاً من ألفاظه.. لكنه علمنا شيئاً من أبجديات الثورة التي تحترم حين تكون منغمسة مع الشعب وللشعب..
هاهي 108 أعوام على وعد بلفور المشؤوم ، تلاشى بلفور الواعد وهرتزل الموعود .. ولم تكن فلسطين بهذا الوضوح كما هي عليه الان
الكاتب من الأردن 🇯🇴
 
 


