عثامنة يكتب : من يُصلح إذا كان الوزير هو الناقد؟

عمان بوست -بقلم م. صفوان عثامنة

ترددت كثيراً قبل كتابة هذه السطور، لما لمعالي الدكتور عزمي محافظة من مكانة علمية وتربوية مشهودة، ولما له من بصمة واضحة في إدارة ملفات التربية والتعليم، سواء في الميدان أو في السياسات العامة. وقد قدّم في وزارة التربية نموذجاً يُشكر عليه في المتابعة والجدية. لكن “غلطة الشاطر” – كما يُقال- تُحسب عليه لا له، خصوصاً إذا كان الموقع الذي يشغله يتطلب خطاب بناء، لا خطاب إدانة.

من حيث المبدأ، لا أحد يختلف على ضرورة النزاهة البحثية، ولا يُجادل عاقل في أهمية حماية سمعة التعليم العالي من أي ممارسات تسيء إليه. لكن التصريحات الأخيرة لمعالي وزير التعليم العالي، والتي قال فيها إن جميع الجامعات الأردنية جاءت ضمن مستويات مقلقة في مؤشر النزاهة البحثية، تستدعي وقفة نقدية مسؤولة، ليس للدفاع عن الخطأ، بل لحماية صورة وطنية نعتز بها جميعاً.

صحيح أن بعض الممارسات الفردية موجودة – كما في كل نظم التعليم في العالم – ولكن تعميم الاتهام بهذا الشكل، وتحميل الجامعات الأردنية “جماعياً” وزر الانحدار الأخلاقي والبحثي، هو أقرب إلى خطاب الإدانة منه إلى خطاب الإصلاح. لم تكن تصريحات معاليه الأخيرة حول تدني “مؤشر النزاهة البحثية” في الجامعات الأردنية إلا مفاجأة مستهجنة لدى المتابعين والمهتمين، ليس لأنها كشفت خفياً أو فضحت مستوراً، بل لأنها جاءت من صاحب الولاية الدستورية الأولى على هذا القطاع، والذي يُفترض أن يكون المُصلح لا المُحبط، والمُوجّه لا المُدين.

فهل يجوز أن نُقابل التحسن الملموس في التصنيفات العالمية، والذي تحقق بجهود تراكمية من إدارات وأعضاء هيئات تدريس، بالإيحاء بأن هذا الإنجاز مصطنع أو مدفوع الثمن؟ وهل من الإنصاف أن نلغي عشرات، بل مئات، من قصص الباحثين الأردنيين الذين يعملون بصمت، وينشرون في أرقى الدوريات، فقط لأن هناك من سقط في فخ “الدحبرة” أو التزييف؟

في قراءة متأنية للواقع، نرى أن الجامعات الأردنية، ورغم شح التمويل والتحديات البنيوية، حققت قفزات نوعية خلال الأعوام الماضية. الجامعة الأردنية احتلت المرتبة 324 عالمياً وفق تصنيف QS لعام 2025، وتقدمت على جامعات إقليمية عريقة. وجامعة العلوم والتكنولوجيا حافظت على وجودها بين أفضل 500 جامعة عالمياً. هذه ليست “نتائج مدفوعة”، كما يُفهم من بعض التصريحات، بل محصلة عمل مؤسسي، وتراكم لجودة التعليم والبحث العلمي، وتعاون دولي متزايد.

أما عن “مؤشر النزاهة البحثية” المشار إليه، فحتى اللحظة لا يوجد تصنيف دولي معتمد بهذا الاسم ضمن القوائم الرسمية التي تتبناها المؤسسات الأكاديمية العالمية، كـ QS وTHE وARWU. ما نُشر هو دراسة مثيرة للجدل تستند إلى معايير قابلة للنقاش، مثل عدد الأبحاث المسحوبة (Retractions) أو النشر في مجلات ملغاة (Delisted Journals)، وهي مؤشرات مهمة لكنها لا تعني بالضرورة فسادًا ممنهجاً، بل قد تعكس هشاشة في بيئة النشر العالمية وتفاوتاً في القدرة على التحقق والتحكيم، خصوصاً مع تنامي دور الذكاء الاصطناعي.

ليس المطلوب هنا التجميل أو التبرير، بل التوازن في الطرح. نعم، يجب محاربة أي سلوك غير أخلاقي في النشر، وتعزيز الرقابة الداخلية في الجامعات، ولكن دون أن نجلد الذات ونصوّر الباحث الأردني كمتهم حتى يثبت العكس.

نحتاج اليوم إلى خطاب إصلاح موضوعي، لا خطاب تهويل. إلى دعم الباحث النزيه، لا كسره نفسياً. إلى الاستثمار في التعليم العالي لا إحباطه. إلى نقد مسؤول من الداخل، لا تصدير أزمة إلى الخارج. إن سمعة جامعاتنا ليست عبئاً، بل رصيد وطني يجب أن نرفعه لا أن نجرّده.

وفي الختام، نقول لمعالي الوزير: إنكم المسؤول الأول عن تصويب المسار، ولا يُقبل منكم أن تكونوا في موقع الناقد أو المراقب الخارجي. فأنتم صاحب القرار، وصاحب الولاية، وصاحب الإمكانية لإحداث التغيير. وإذا كنتم ترون أن ثمة خللاً، فأنتم أقدر من سواكم على إصلاحه. أما توصيف الأزمة فقط، فهو أقل بكثير من مسؤولية المرحلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى