الخواجا يكتب : الاحتيال

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
ما أن تدخل أحد أبواب المولات الكبرى والمشهورة، حتى يلتقطك أحدهم أو إحداهن من شباب وصبايا ممن يبحثون عن أية فرصة عمل بعد تخرجهم من الدراسة وعدم الحصول على عمل في مجالات اختصاصاتهم الأكاديمية، فيتلقفهم ما يدعى بالسوق الإلكتروني أو الرقمي، ليصبحوا مندوبين بألقاب فخمة حيث يكون دورهم أن يروجوا لما تدعى بالسلع الرقمية، وفي مقدمتها ما تسمى بشراء حصص في أرض أو منتجع أو شاليهات وغيرها.
حين راجعت إحدى إدارات المولات لأسألها عن مشروعية وجود هؤلاء الذين يحتلون مداخل المولات ولهم ستاندات ويحملون بروشورات، فكانت الإجابة أنه يتم شراء المساحة أو استئجارها لمدة معينة وبشكل علني وطبيعي، والإدارة لا تتدخل في طبيعة المحتوى الترويجي والتسويقي للمستأجر ولا علاقة لها بما يترتب عما تمارسه تلك الجهات.
يدخل المواطن أو الزبون إلى المول، يلتقطه المندوب مبادراً بالتحية وبأنه تم اختياره ليحظى بجائزة قيمتها 100 أو200 دينار حلال زلال، يعرّفه بنفسه فقط بأي اسم « أنا اسمي سعيد، سعاد، دينا، رائد،…»
يبدأ حديث تم التدرّب على مفرداته مع تعابير جسدية مريحة، تمنح المسكين نوعاً من الطمأنينة والثقة بمصداقية المندوب، في العادة يكون المستهدف زوج وزوجته من أجل أن يؤثر أحدهما على الآخر في إتخاذ القرار، يبدأ المندوب شرح كيفية الحصول على الجائزة بأن المطلوب دفع مبلغ عشرة أو عشرين دينار مستردة بعد أن تتم زيارة مقر الشركة في اليوم التالي مع الحصول على الجائزة الوهمية. يمد المسكين يده نحو محفظته ويسلّم المندوب المبلغ المطلوب وبددوره يقوم المندوب بتزويد المسكين بوصل قبض للمبلغ، ويعطيه عنوان الشركة التي عادة تتواجد إما في مداخل أحد الفنادق أو تستأجر مكاتب لها في مناطق غرب عمان الراقية من أجل زيادة الإنبهار والتسليم بمصداقيتها.
في اليوم التالي يذهب المسكين وزوجته إلى العنوان، وفعلاً هناك مكاتب وموظفين في غاية الأناقة والدماثة وحسن الاستقبال، يطلب أحد الموظفين الوصل ليشاهده وهو يقول: المطلوب منك قبل الحصول على الجائزة مشاهدة فيديو عما تعمل عليه الشركة والجلوس مع أحد الموظفين. ولا يستغرق ذلك منكم غير وقت بسيط. المكان ممتلئ بالمغفلين أمثاله الذين جاءوا ليحصلوا على الجوائز المجانية الوهمية. هنا تجلس صبية مع زوج وزوجته، وهناك شاب يحاور رجلا كبيرا في السّن، وثالث ورابع وهكذا. الموضوع مثير ومغري، يعرض الموظف أو من خلال الفيديو آلية الشراء لحصص يتم احتسابها كنسبة تبعاً لحجم المساهم المالية للمشارك، طبعاً العوائد كبيرة لا تقاوم، إضافة لعروض منح المساهم إقامات وضيافة كاملة في منتجعات أو فنادق لمدد تزيد أو تقل حسب حجم الحصص للمشترك. هنا تبدأ النفس الطماعة بالبروز مع تواجد للنفس المرتابة، إلى أن تتفوق الطمّاعة فيوافق المستهدف على عملية الشراء للحصص، في هذه الأثناء يكون الموظف قد درس نفسية وإمكانيات الشخص المستغفل عبر الحوار المتبادل بينهم قبل توقيع العقد، فيعطيه حلولاً تتماشى ووضعه المادي، المهم أن لا يخرج من المكان دون توقيع العقد، هناك من يدفع آلاف الدنانير في نفس الجلسة، وهناك من يدفع دفعة على أن يتم تقسيط المبلغ الباقي. يحمل المسكين ورقة يظنّ انه أصبح مستثمراً ومالكاً ومساهماً، وأن عليه التجهيز والاستعداد لحصد العوائد.
السلعة المباعة تكون إما حصص في شاليهات أو منتجعات، أو أراضي كما حدث قبل فترةٍ وجيزة عندما وجد أكثر من 150 شخصاً أنهم اشتروا حصص في قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها 8 دونمات، والحصة كانت 5000 دينار، فيما كانت قيمة الأرض المقدرة من مديرية الأراضي المعنية 8000 دينار لكامل القطعة، لكن النصّاب تمكن من جني 10 إلى 15 مليون دينار، حيث كان فعلياً يقوم بتسجيل حصة من مجموع الحصص لكل من يشارك ويدفع مبلغ الخمسة آلاف دينار للحصة الواحدة. وهي التي في حقيقتها لا تتجاوز قيمة الحصة إذا قسمنا عدد المساهمين على مساحة الأرض وقيمة المتر المربع الواحد، تكون الحصة الواحدة لعدد مساهمين 160 هي 40 متر فقط بقيمة 40 دينار، فيما يكون المساهم دفع مبلغ 5000 دينار للنصابين. السؤال بعيداً عن بقية التفاصيل التي حملت كلها في نهاياتها أنها ليست إلا عمليات نصب كبرى. فهؤلاء يتواجدون في المحلات الكبرى وبشكل واضح وصريح، ولهم مكاتب متواجدة في فندق أو مبنى تجاري في أرقى المناطق. طبعاً ما أن تنتهي عملية النصب على أكبر عدد من المساكين، حتى تتبخر الشركة ويتبخر وجودها في المكان، وتغلق هواتفهم، ولا يعود هناك أية وسيلة للتواصل معهم، كأنهم أشباح مرت وتلاشت دون أي أثر خلفها.
هي ليست بالقضية ذات الشأن المفصلي الوطني الهام، لكنها بالتأكيد قضية أصبحت مؤرقة ومعيبة ومثار تساؤل عن سبب استمرارها رغم وجود مئات القضايا المنظورة في المحاكم بهذا الخصوص