الخواجا يكتب : تطويع المقدس لحساب المدنس

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

ثمة جزء أساسي من الفهم المغلف بالمقدس. ما ينغرس في ترويج الروايات الصهيونية في كونهم شعب الله المختار، والأرض الموعودة المقدسة، وفي كيفية النظر والتعامل مع الأغيار الجوييم. إن فكرة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تبناه الصهاينة منذ الحرب العالمية الثانية وأجبروا العالم كله على تبني روايتهم عن أفران الغاز النازية والملايين التي تم حرقها من اليهود، إضافةً إلى حمل قميص المظلومية تحت شعار « معاداة السامية» واحتكاره. لقد أشارت التقارير الموثقة أن الملايين من الروس والبولنديين وغيرهم، تم قتلهم وحرقهم وما زالت المقابر الجماعية في غابات بولندا وألمانيا تكتظ بالموتى ضحايا الحرب العالمية ومنهم اليهود، لكن الصهيونية تعامت عن كل الضحايا وأبقت التركيز فقط على المحرقة النازية ضد اليهود. لم يكن السابع من أكتوبر منبتّاً أو منقطعاً عن عقود سبع سبقته، كانت فيها الصهيونية تستخدم كافة الأدوات للإبادة الجماعية الممنهجة والتطهير العرقي للفلسطينيين في أماكن سكنهم في المدن والقرى، لقد كانت سياسة المجازر الجماعية هي المتبعّة لدى التنظيمات الصهيونية الإرهابية، وواصلت الحركة الصهيونية باعتبارها آلة للقتل الممنهج بعد إعلان الدولة المسخ والكيان اللقيط.

لقد تعددت أشكال وأنواع الإبادة الممارسة بحق الفلسطينيين، فمن التهجير الجماعي القسري، إلى المجازر الجماعية، إلى تدمير المباني والمزارع، إلى الطرد وسحب الجنسية، إلى التضييق في أسباب المعيشة وتعمّد الإهانة والحط من كرامة الفلسطيني، إلى إقامة الحواجز الدائمة والمتحركة، إلى الاعتقالات الجماعية العشوائية إلى استملاك الأراضي بوضع اليد تحت ذرائع مغطاة بقانونهم مثل أراضي الغائبين أو للمتطلبات العسكرية، أو بغطاء وقرار من المحاكم الصهيونية بتجريد الفلسطيني من ممتلكاته بذريعة الإرهاب.

في إعلان استقلال إسرائيل سنة 1948، فقد نصّ على «المساواة التّامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع سكانها بغضّ النظر عن الدين أو العرق أو الجنس». أما اليوم فقد انتقل البعد العنصري من الممارسة المقنّعة إلى الدسترة. لم يبق شكل من أشكال الجرائم والتطهير العرقي والإبادات الجماعية والثقافية والبيئية والصحية والتجويع والقتل العشوائي والنفي والاستيلاء على الأراضي وتخريب الممتلكات وترويع المواطنين والحرمان من الحقوق الأساسية إلا واستخدمها الكيان الصهيوني بحق الفلسطيني. جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، مصطلحات لكل واحد منها نظام قانوني مختلف وعقوبات متفاوتة حسب القانون الدولي.

استغرقت الأمم المتحدة 50 عاما في صياغة قائمة رسمية تضم الأفعال التي تعد جرائم ضد سلام وأمن الإنسانية، وظلت القائمة دائمة التحديث، فضمت مع مرور الوقت الإبادة الجماعية والإرهاب وغيرهما. ورغم تحديد الأمم المتحدة قائمتها، لم تستطع إقرارها بشكل رسمي من الدول الأعضاء، أو حتى في تأسيس محكمة جنائية دولية دائمة مختصة في هذه الجرائم حتى عام 1998. عندما تم إنشاء محكمتين جنائيتين بحق يوغسلافيا ورواندا. منذ قيام دولة الاحتلال الصهيوني في 15 أيار 1948 ارتكبت عددا من الجرائم والمجازر في حق الشعب الفلسطيني، كثير منها ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعية. بل وقبل هذا التاريخ عملت العصابات الصهيونية على إبادة وتقتيل وتهجير قرى وبلدات فلسطينية كاملة، وأحلت محلها تجمعات لمستوطنين يهود خططت لتهجيرهم من أنحاء من العالم. ومن أبرز الأمثلة على جرائم الإبادة التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية ما وقع في حرب 1948 وحرب 1967، ومذابح صبرا وشاتيلا ودير ياسين والطنطورة وخان يونس وكفر قاسم ومجزرة الحرم الإبراهيمي ومذبحة مخيم جنين. كما أمعنت دولة الاحتلال في الإبادة الجماعية للفلسطينيين في سلسلة من الاعتداءات التي ارتكبتها في قطاع غزة في سنوات 2008 و2009 و2012 و2014 و2021.

لم يهنأ الفلسطيني منذ قرن وأكثر بمجرد وجوده البيولوجي ككائن إنساني له حق الحياة، لقد عانى الفلسطيني من صنوف العذاب والقهر والقتل والتهجير والتطهير العرقي من خلال سياسة سميت « تنظيف المناطق» مفهوم متوحش ذاك الذي لا يرى في البشر غير كائنات ضارة ينبغي التخلص منها وتطهير المنطقة المتواجدة فيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى