الخواجا يكتب : الإبادة الجماعية تبدأ بتعليق وصورة

بقلم د. ماجد الخواجا
عمان بوست – لفت انتباهي تلك الفوضى والشغب وحمل السلاح بين بعض أهل مدينة حمص في سوريا نتيجة نشر فيديو عن حرق مقام علوي يدعى أبي الخصيب، حيث تداعى أبناء الطائفة في مختلف مناطقهم للخروج في الشوارع وإطلاق الرصاص وإحداث فوضى وفتنة كادت أن تخرج عن السيطرة، ليكتشف الجميع أن الفيديو قديم وأنه كان في أثناء الأحداث الأولى في حمص منذ سنوات طويلة.
هذا هو المثال الصارخ عن درجة حساسية وأهمية الإعلام وأدواته في إمكانية الوصول إلى مستويات عالية من التطهير العرقي والإبادة الجماعية نتيجة نشر صورة أو فيديو أو خبر دون التحقق من صحته ومن حقيقته. في تصريح للأمين العام للأمم المتحدة يقول أن الإبادة الجماعية لم تبدأ بغرف الغاز، وإنما بدأت بخطاب كراهية. الكراهية ليست عقيدة او فكرا او نهجا راسخا نقيا ، إنها تبدأ بكلمة او تعليق أو بوضع عدم إعجاب على منشور أو بنظرة مقصودة أو غير مقصودة، لتتعمق وتمتد حتى تصل إلى درجة قبول الإلغاء والاستئصال وحتى التطهير العرقي والإبادة الجماعية. إنها تتغذى على أي فتات فهي كالطفيليات والحربائيات تنمو فجأة وتتعاظم كما لو أنها في مستنقع ضحل مليء بالطحالب السيئة.
إن مذابح وحمامات دماء جرت في رواندا والبوسنة والهرسك وفي ميانمار ضد الروهينجا وكثير من التطهير العرقي والإبادات الجماعية جاءت من وراء خطابات كراهية باستغلال أدوات اعلامية. وأخطر أنواع الكراهية تلك المغلفة بالمقدس الديني التي تبيح القتل تقرّبا لله.
إن الحديث عن الكراهية كخطاب إعلامي سياسي مؤدلج أحياناً كثيرة، هو من الترف بمكان أن نتناوله في ظل الجينوسايد والتطهير الإثني والجرائم الوحشية الفظيعة التي يرتكبها قطعان الصهاينة في غزة الفلسطينية ولبنان مع اعتداءات شبه يومية على عواصم عربية. الكراهية كلمة ثقيلة على الأسماع، ولا تلقى ترحاباً حتى ممن يتصفون بها ويتمثلونها في ممارساتهم الفردية والجمعية. إنها حقاً عبء ثقيل على النفس أن تحتمله.
إن الإعلام الرقمي بما يتيحه من إمكانات هائلة للأفراد والجماعات بالولوج إلى منصاته وبث ما يرغبون به، ومع تطور الحالة عبر ما يدعى « الهاشتاج» و « الترند» الذي يعمل على شكل عواصف مدارية سيبرانية بسرعةٍ قياسية، تكفي لتحقيق الغايات الخبيثة لأصحابها، ساعد ذلك على سهولة انتشار الأخبار الكاذبة المفبركة المضللة.
هناك فئات ومكونات اجتماعية تقتات على عوائد الكراهية التي تبثها في كل لحظة عبر قنواتها وإعلامها وشخوص الموالين لها. فهي تقرن الأيديولوجيا بالعائد الربحي المادي، إنه التكسّب البشع الذي يزاوج بين الفكر والممارسة بطريقة معيبة وخطيرة تفتّ في عضد الوطن.
لقد أقحمت وسائل الإعلام الرقمية في مجمل الصراعات المجتمعية وخاصة السياسية والحزبية منها، إن وسائل الإعلام بشكلها المجرّد هي أدوات محايدة لا تنحاز لصالح جهة على حساب أخرى، لكنها ونتيجة الذكاء الرقمي الحاد تلبس لبوس صاحبها ومستخدمها بحيث تتداعى لدى المتلقي ما أن يشاهد أو يستمع أو يقرأ شيئا لطرف على أداة إعلامية حتى ترتبط لها صورة ذهنية تأخذ شكلا نمطيا.
« تيم بيرنز لي» وهو المؤسس الأول للشبكة العالمية، صرّح أن الشبكة أصبحت مكاناً خصباً لنشر الكراهية، وأنها جعلت كل أنواع الجرائم سهلة التنفيذ، وأنها أصبحت وسيلة رائجة للإحتيال، وأنها تسببت في انحدار مستويات الحوار والخطاب واستخدام أساليب الإثارة والاستقطاب. فالمستخدمين أصبحوا عرضةً للاستغلال واختراق خصوصياتهم.
هناك حاويات مكتظة بالأخبار المفبركة والكاذبة ينوء تحتها الإنترنت. إن البيانات بحدّ ذاتها ليست مصدر شرور، لكن تحتاج الشبكة لإنقاذ من التلاعب السياسي والأخبار المزيّفة وانتهاكات الخصوصية وغيرها من الخبائث التي تهدد في إغراق العالم في « ديستوبيا» أي العالم الرقمي المرير، الديستوبيا هو المجتمع الخيالي الفاسد المريض المخيف غير المرغوب فيه، وهو غير الفاضل تسوده الفوضى السيبرانية. ولنا عودة في الحديث عن هرم الكراهية.