أقلام بوست

الخواجا يكتب : مخاضات ومآلات

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

لم تشهد المنطقة العربية حالة من المخاض العسير كما هو حالها الآن، وهو ذات الحال الذي يمر فيه العالم بأسره عبر ما يمكن تسميته بالثورة أو الربيع الأمريكي الذي قلب المسلمات الراسخة والمفاهيم التقليدية لأعظم إدارة عميقة عرفها التاريخ البشري، تحولات أعادت برمجة الأدوار واللعمليات والمهام للهياكل والمنظمات الدولية.
من كان يخطر بباله مشاهدة حيّة ومباشرة للقاءات بمستوى رؤساء دول وبهذا الشكل المسرحي التمثيلي فائض الفجاجة، إنه عصر التفكيك لامتيازات الشركات القابضة على روح الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية، أن تتلاحق الأخبار الفاضحة للأنماط السائدة في الإدارة العامة الأمريكية، حتى كدنا نعتقد أن الولايات المتحدة تلك الدولة العظمى، قد نخرها سوس الفساد ووهن البيروقراطية، فلم نسمع أنه يوجد مئات الآلاف من الموظفين الخاملين الذين يتقاضون رواتب عالية دون إنجازات تذكر، وأن كثيراً مما تدعى بالمنح والتمويل يتم تسييلها إلى جيوب وحسابات فاسدين.
بعيداً عن صخب وتناقض تصريحات السيد ترامب، فهناك الكثير مما يصدر عنه يجدر التوقف عنده وتأمله وتحليله. إنه يريد وقف النزف المالي المنتشر في أركان الدولة الأمريكية بسخاء ودون مراجعات حصيفة وحقيقية. لقد فضح الرئيس الأمريكي ترهلا وفسادا مزمنا في أعماق العقل والسلوك الأمريكي.
بالتأكيد لن يكون في مقدور الرئيس الأمريكي مجاراة وملاحقة تحقيق طموحاته المغلفة بوهم عظمة الدولة الأولى في العالم. وربما ليس بعيداً سيواجه كثيراً من التحديات والعوائق والحواجز التي سيبدع في وضعها كل المتضررين من أحلام الرجل، وهؤلاء ليسوا أفراداً عابري سبيل، وإنما هم قوى هائلة ستتحالف للدفاع عن مصالحها / عن جشعها وفسادها، وهناك متضررون على مستوى الدول كما هو حال أوكرانيا والدنمارك والمكسيك، وطبعاً الاتحاد الأوروبي والصين وإيران وكوريا الشمالية والبرازيل، وكثير من دول إفريقيا ومعظم الدول العربية.
لم تمر المنطقة عبر تاريخها المعاصر بحالةٍ من الارتباك والحيرة في ما ستؤول إليه الأوضاع، وفي ظل الدعم المفتوح والمطلق للكيان الصهيوني، الذي التقط جملة تفوّه بها ترامب بأنه « ستفتح أبواب جهنم على غزة وأهلها»، فأصبحت كلاشيه في كل تصريح لرئيس وزراء الكيان، بحيث تعتاد الأذن على سماعها وتردادها، بما يجعلها متوقعة في حال عاد العدوان من جديد.
إن ما جرى منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، بحاجة لمراجعة متأنية، يتم فيها تحليل الواقع والبدائل والآفاق المحتملة. فمع خروج حزب الله وإيران والنظام السوري المخلوع من محور الممانعة والمقاومة، ومع التقارب الأمريكي الروسي، فلا بد من البحث عن آليات تحفظ الأرواح وما تبقى من مقدرات وموارد، وتوقف التمدد الاحتلالي الصهيوني الذي استباح الجنوب اللبناني والجنوب السوري، وتضمن عدم عودة الاحتلال لغزة والضفة وتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود على أرضه وفي مدنه وقراه. إنها ملفات متشابكة ومعقدة تتطلب كثيراً من الحكمة والرويّة. ربما لم نعهد وقعاً بحجم ما ترتب عن موقعة السابع من أكتوبر، سواء فيما جرى أو ما ترتب عنها. لكن علينا أن لا نتوقف على أطلالها بعد صمود استمر طيلة 500 يوم من الحرب غير المتكافأة وغير العادلة وغير الإنسانية.
لقد اعترفت دول كثيرة في دولة فلسطين، وتم تجريم أركان الحرب الصهاينة بتهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وتم إعادة وضع القضية الفلسطينية على المائدة العالمية الرئيسة.
إنها مخاضات سينتج عنها مآلات واحتمالات تعيد بناء المنطقة على بارقة أملٍ يقرّ العالم فيها بحق الشعوب العربية في حياةٍ كريمةٍ لائقة. وتبقى غزّة رمز العزة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى