الخواجا يكتب : قراءة في مسيرة حكومة جعفر حسان ودلالات قراراتها

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا
صمدت حكومة حسان لأكثر من عشرة شهورٍ قبل إجراء التعديل على ثلث أعضائها، ولا أدري هل هذه ميزة بحدّ ذاتها، أم أنها نتجت لاعتبارات خارجة عن إرادة رئيس الحكومة. لو طالعنا سيرة الوزراء الذين انضموا للحكومة بعد التعديل سنجد مثلاً أن وزير النقل نضال القطامين جاء في محله تماماً فهو يحمل درجة الدكتوراة في هندسة الطرق، فيما تم تعيينه سابقاً وزيراً للعمل والسياحة بعيداً عن الإختصاص الفعلي. وجاءت بدرية البلبيسي وزيرة تطوير القطاع العام من صلب عمل الوزارة، كما هو حال وزير شؤون رئاسة الوزراء عبد اللطيف النجداوي الذي كان أميناً عاماً للرئاسة، ولا يبتعد كثيرا رائد العدوان عن تطلعات وهواجس وزارة الشباب التي أوليت مهامها إليه وإن كان من خلفية أمنيةٍ بحتة، إلا أنه يتصّف بذهنيةٍ مدنيةٍ منفتحة وبروح شبابية حقّة، كذلك الأمر مع وزير الصحة إبراهيم البدور الذي يحمل درجة الدكتوراة في جراحة الدماغ والأعصاب، وصولاً إلى وزير الزراعة صائب خريسات الذي بدوره يحمل درجاته العلمية كلها في مجالات الزراعة، وهو ذات الحال مع وزير السياحة عماد حجازين إبن القطاع وحامل الدكتوراة في إدارة السياحة. كذلك جاء طارق أبو غزالة دكتور الهندسة الصناعية ومدير إدارة السياسات الاقتصادية وزيراً للاستثمار، ودكتور البيئة أيمن سليمان وزيراً للبيئة. وهؤلاء باستثناء نضال القطامين يستلمون مهامهم الوزارية لأول مرّةٍ وليسوا من المخزون المتكلّس المتقادم في مستودعات الدولة العميقة.
إن المشهد يبيّن أن توجّهات الحكومة تكنوقراطية بحيث يتولى زمام العمل الوزاري صاحب الإختصاص، وهذه للحقيقة لم تحدث كثيراً مع الحكومات السابقة التي ارتهنت خياراتها لاعتبارات مجتمعية عديدة ليس من بينها خيارات الجدارة والكفاءة والتخصصية.
لكن الموضوع ليس بهذه السهولة في تقييم أداء الوزير، فالإدارة للبشر تختلف تماماً عن إدارة الحجر والآلات، وكم من مختصّ بارع في مجاله، لكنه غير ناجح في إدارة من معه. إن الإدارة ليست مجرّد ديكور تجميلي أو اداة يمكن لأيّاً كان ركوب موجاتها والاقتدار على توجيه دفّتها. ومعلوم أن هناك قاعدة إدارية مفادها أن ” غالبية مشاكل المؤسسات اجتماعية وليست فنيّة” بمعنى أنه لا يكفي الإختصاص الفنّي لوحده لضمان الجدارة في القيادة الإدارية. والوزارات هي بالأساس مناصب سياسية يفترض فيمن يتولى رئاستها أن يتصّف بالمقدرة على إدارة البشر وتحليل المعطيات والمقاربات والمقارنات وبناء العلاقات والشراكات واستشراف المستقبل واستقراء الواقع ونقد ومحاكمة الماضي. مع الحضور المناسب في اللقاءات والاجتماعات وأية مناسبات ذات علاقة بعمله الوزاري. فليس مطلوباً من الوزير إجراء صيانة أو متابعة خط إنتاج أو إصلاح ماكينة، لكن مطلوب منه المقدرة على الفهم العام الواسع للتفاصيل وقراءة التقارير والتحليلات وفنون إدارة القرارات وتقييم الأداء ودعم التطوير والتحديث، والمرونة في هضم واستيعاب الضغوط العملية وتباين العقول والأفكار والمشاعر لدى العاملين معه.
يبدو أنني قد انحرفت عن الغاية من عنوان المقالة وهذا يعود للتخصصية الإدارية وإعادة هندسة الإدارة، لكن أكرر أن التعديلات التي أجراها جعفر حسان، تعديلات جوهرية تصبّ في صالح الوزارات المعدّلة من حيث الإختصاص، كما يؤخذ عنه أنه جاء بوزراء يتولوا الوزارة لأول مرّةٍ، وإن كان هناك من ملاحظة، فهي تتمثل بكون جميع المعدّلين هم خرّيجوا جامعات غربية ولا يوجد وزير واحد من خرّيجي جامعة أردنية.
هذا يدلل على درجة التبعية في الاختيار والإعلاء من شأن الحوارات باللغات غير العربية، وخاصةً الإنجليزية منها، وكأن الحكومة همّها الأول مخاطبة الخارج كأولوية.
ولا ننسى في خضم ما يجري، منظومة الإصلاح والتحديث السياسي، الذي يبدو أنه ارتدّ لعقودٍ خلت، فلم يعد هناك حديث عن حياة حزبية سياسية صحيّة وفعّالة، ولا تظهر في الأفق ملامح ممارسات حزبية مؤثرة، حيث الاكتفاء بالديكور والهياكل الحزبية التي يدرك القائمون عليها أن لا وزن ولا تأثير لهم في الساحة والمساحة الشعبية، وأيضاً لم تعد الحكومة توليلهم أية ادوارٍ وازنة في المشهد العام والسياسي بشكلٍ خاص.
فقد جاء حلّ البلديات المنتخبة ومجالس اللامركزية بصورةٍ فجائية دراماتيكية، تدلل على أن أي إصلاح إداري أو سياسي يمكن للحكومة الرجوع والتخلّي عنه بسهولةٍ ودون الحاجة لتبرير ذلك.
وفي الحالة الإقتصادية هناك دائماً اعتبارات خارجة عن إرادة الحكومات تتمثل في الاعتماد على المعونات والمنح والقروض والتي بدورها مرتبطة بأية تحولات سياسية أو تغييرات اقتصادية لدى الدول المانحة العربية منها والأجنبية. ويستطيع أي فرد إدارة الملف الإقتصادي دون مجهودٍ كبيرٍ بسبب محدودية القرارات التي يمكن اتخاذها في ظل قيود الموارد والسياسة الضريبية الجبائية والمنح والقروض اللازمة لسدّ العجز المالي السنوي المتزايد. لم تكن قراءة دقيقة لأداءحكومة جعفر حسان، لكنها تمنحنا إمكانيات لإعادة القراءة بشكل أدق في قادم الأيام.