الخواجا يكتب : علاقات التوكسيك تجتاحنا

عمان بوست – بقلم د. ماجد الخواجا

فاضت بنا عديد من المصطلحات الحداثية المرتبطة بعالم السيبرانية، فانتشرت كلمات من قبيل « التنمّر الإلكتروني، الإبتزاز الإلكتروني، الذباب الإلكتروني، الهاكرز، الإختراق وسرقة البيانات، الذاكرة الرقمية التي لا تنسى، التريندات، الهاشتاجات، التفاهة السيبرانية»، وكثير من تلك الكلمات التي أصبحت دارجة ومألوفة للجميع. ربما لم تختلف الحياة الماضية في مفرداتها عن عديد من مفردات الرقمنة، فالتنمّر كان وما زال مشاهداً بقوة بين الأقران في المدارس والجامعات والحارات. هناك أشخاص يتم الاستقواء عليهم إلى درجة أنهم يذعنون ويتقبلون فكرة الخنوع للآخر دونما وجود أدنى مسوّغ أو مبرر لمثل هذا السلوك الذي يتعزز بالممارسة والتكرار فيصبح نوعاً معتاداً ومألوفاً.
يبدو أن العولمة السيبرانية أظهرت قبحاً وبذاءة أخلاقية غير مسبوقة، ومردّ ذلك يعود إلى أن الشهرة والعائد المادي السهل يتطلب أنماط غريبة من السلوك والتصرفات التي تجد إقبالاً منقطع النظير لمتابعتها ودعمها.
صرنا نشاهد مراهقا يقوم بعمل فيديوهات يظهر فيها مع والده أو والدته أو أخيه، ويتندر عليه سواء أكان ذلك تمثيلاً أم حقيقةً، فهو يؤسس لمرحلة من انهيار الأسوار التي تحدّ من الميوعة وتدنّي القيم ولزوجة المواقف، فيعتاد المتلقي على مشاهدة الأب وهو يهان أو تتم السخرية منه. فيما هناك من يتبع طريق العنف اللفظي والتهديد بأبشع الألفاظ السوقية متوسلاً لغةً بذيئة رديئة في سبيل تحقيق أكبر مشاهدات ومتابعات. ما بين اليوتوبيا والفضيلة وبين الديستوبيا والرذيلة، تتوه بوصلة الإنسانية في حيرةٍ ودوّامات من التيه. لقد ساد عالم الديستوبيا الذي يعني عالم الأشرار الفضاء الرقمي.
علاقات التوكسيك عبارة تصف العلاقات السّامة والمسمومة بين البشر، علاقات قاتلة استعلائية يحاول أحد الأطراف السيطرة والطغيان على الطرف الآخر سواء باللفظ أو بالفعل. التوكسيك هي أي علاقة تجعلك تشعر بالسوء بدلاً من أن تصبح أفضل، ويمكن أن تصبح سامة بمرور الوقت، كما يمكن أن توجد هذه العلاقات السامة في أي مكان من حولنا بدايةً من الملعب إلى غرفة الاجتماعات وغرفة النوم، وقد تجدها بين أفراد عائلتك أو زملائك في الدراسة او العمل أو في جيرانك أو أقاربك. كم هم الأشخاص الذين التصق بهم ألقاباً سلبية نتيجة سلوك ما، فتم إطلاق وصف عليه طيلة العمر. أعرف شخصياً كثيراً من الأشخاص المشهورين بألقابٍ أكثر من أسمائهم الفعلية، كأن يطلق عليه لقب « الأحول، المشلح، الجناح، اللخمة، البغل، الخويثة،…. «. في العلاقة السامة، عادة ما يكون هناك عدم احترام وانتهاك للحدود، في بعض الأحيان يحدث هذا السلوك دون أن يدرك الشخص، ولكن إذا تكرر هذا النوع من السلوك باستمرار بنية نشطة لإيذاء الشخص الآخر، فيمكن اعتبار العلاقة مسيئة. ويمكن أن تتخذ الإساءة أشكالًا عديدة مثل الإساءة النفسية والعاطفية والجسدية، حيث تميل العلاقات المؤذية أيضًا إلى إتباع دورة الإساءة. لا تقتصر العلاقات السامة على العلاقات الرومانسية، حيث توجد في العائلات وفي مكان العمل وبين مجموعات الأصدقاء، ويمكن أن تكون مرهقة للغاية، خاصة إذا لم تتم إدارة السميّة بشكل فعال، كما أن التذمر المستمر والملاحظات الانتقادية والسلبية العامة يخلق بيئة سامة، قد تشمل السمات السّامة الأخرى السعي إلى الكمال، والقدرة التنافسية غير الصحية، والكذب المتكرر. عندما يفتقر أحد الأشخاص (أو كليهما) إلى الوعي الذاتي، ففي بعض الأحيان يكون الناس غير مدركين لتأثيرهم السلبي على الآخرين، وقد لا يعرفون أيضًا طرقًا صحية للتواصل، ومن المحتمل أنهم لا يعرفون كيفية قراءة الإشارات الاجتماعية جيدًا بما يكفي لمعرفة متى يتسببون في إحباط الأشخاص أو جعلهم يشعرون وكأنهم يتعرضون للانتقاد أو التجاهل. عندما يقوم شخص بإيذاء الآخرين عمدًا، وفي هذا النوع من العلاقات يتعمد بعض الناس الوقاحة والإيذاء، وفي هذه المواقف، قد تشعر بالتمييز والاستهداف من خلال كلماتهم وأفعالهم، وقد يحاول الشخص أيضًا التحكم فيك أو التلاعب بك، وهو سلوك سام أيضًا. إذا هدد شخص ما رفاهيتك باستمرار بما يقوله أو يفعله أو لا يفعله، فمن المحتمل أن تكون علاقة سامة. العلاقات التي تحتوي على الإساءة الجسدية أو اللفظية تصنف بالتأكيد على أنها سامة، ولكن هناك علامات أخرى أكثر دقة لعلاقة سامة، بما في ذلك: أن تعطي أكثر مما تحصل عليه، مما يجعلك تشعر بالضعف والاستنزاف. تشعر باستمرار بعدم الاحترام أو أن احتياجاتك لم تتم تلبيتها. تشعر بتأثير سلبي على احترامك لذاتك بمرور الوقت. تشعر بأنك غير مدعوم أو يساء فهمك أو تحط من قدرك أو تتعرض للهجوم. تشعر بالاكتئاب أو الغضب أو التعب بعد التحدث أو التواجد مع الشخص الآخر. أنت لست أفضل ما لديك حول الشخص، على سبيل المثال، يبرزون الجانب الثرثار منك، أو يبدو أنهم يرسمون خطًا لئيمًا ليس لديك في العادة. تشعر وكأن عليك أن تمشي على قشر البيض حول هذا الشخص حتى لا تصبح هدفًا لسّمه. تقضي الكثير من الوقت والقوة العاطفية في محاولة إسعادهم ومسايرتهم. ولنا عودة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى